إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَلَا يَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُوٓاْۚ إِنَّهُمۡ لَا يُعۡجِزُونَ} (59)

{ وَلاَ يَحْسَبَنَّ الذين كَفَرُواْ } أي أنفسَهم فحُذف للتكرار وقوله تعالى { سَبَقُواْ } أي فاتوا وأفلتوا من أن يُظفَرَ بهم مفعولٌ ثانٍ ليحسبن والمرادُ إقناطُهم من الخلاص وقطعُ أطماعِهم الفارغةِ من الانتفاعِ بالنبذ والاقتصارِ على دفع هذا التوهمِ مع أن مقاومةَ المؤمنين بل الغلبةَ عليهم أيضاً مما تتعلق به أمانيهم الباطلةُ للتنبيه على أن ذلك مما لا يحوم حوله وهمُهم وحُسبانُهم وإنما الذي يمكن أن يدورَ في خلدهم حسبانُ المناصِ فقط ، وقيل : الفعلُ مسندٌ إلى أحد أو إلى مَنْ خلفهم والمفعولُ الأولُ الموصولُ المتناولُ لهم أيضاً وقيل : هو الفاعلُ وأنْ محذوفةٌ مِنْ سبقوا ، وهي مع ما في حيزها سادةٌ مسدَّ المفعولين ، والتقديرُ ولا يحسبن الذين كفروا أنْ سبقوا ويعضُده قراءة من قرأ أنهم سبقوا ونظيرُه في الحذف قوله تعالى : { وَمِنْ ءاياته يُرِيكُمُ البرق خَوْفاً } [ الروم ، الآية 24 ] وقولُه تعالى : { أَفَغَيْرَ الله تأمروني أَعْبُدُ } [ الروم ، الآية 64 ] الآية ، قاله الزجاج وقرىء بالتاء على خطاب رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وهي قراءة واضحة وقرىء ولا تحسبن الذين بكسر الباء وبفتحها على حذف النون الخفيفة وقوله تعالى { إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ } أي لا يفوتون ولا يجدون طالبَهم عاجزاً عن إدراكهم ، تعليلٌ للنهي على طريقة الاستئنافِ ، وقرىء بفتح الهمزة على حذف لام التعليلِ ، وقيل : الفعلُ واقعٌ عليه ولا زائدةٌ ، وسبَقوا حالٌ بمعنى سابقين أي مُفْلتين هاربين وهذا على قراءة الخطاب لإزاحة ما عسى يُحذر من عاقبة النبذِ لِما أنه إيقاظٌ للعدو وتمكينٌ لهم الهرب والخلاصِ من أيدي المؤمنين وفيه نفيٌ لقدرتهم على المقاومة والمقابلة على أبلغ وجهٍ وآكَدِه كما أشير إليه ، وقيل : نزلت فيمن أفلت من فَلِّ المشركين وقرىء لا يعجزونِ بكسر النون ولا يعجزونِّ بالتشديد .