معاني القرآن للفراء - الفراء  
{وَلَا يَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُوٓاْۚ إِنَّهُمۡ لَا يُعۡجِزُونَ} (59)

وقوله : { وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُواْ إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ }

بالتاء لا اختلاف فيها . وقد قرأها حمزة بالياء . ونُرى أنه اعتبرها بقراءة عبد الله . وهي في قراءة عبد الله { ولا يَحْسَبَنَّ الذين كفروا أنهم سبقوا إنهم لا يُعْجِزون } فإذا لم تكن فيها ( أنّهم ) لم يستقم للظنّ ألا يقع على شيء . ولو أراد : ولا يحسب الذين كفروا أنهم لا يعجزون لاستقام ، ويجعل لا ( صِلة ) كقوله : { وحَرامٌ على قَرْيةٍ أَهلكناها أَنّهم لا يَرْجِعون } يريد : أنهم يرجعون . ولو كان مع ( سبقوا ) ( أنْ ) استقام ذلك ، فتقول ( ولا يحسب الذين كفروا أن سبقوا ) .

فإن قال قائل : أليس من كلام العرب عسيت أذهب ، وأريد أقوم معك ، و( أنْ ) فيهما مضمرة ، فكيف لا يجوز أن تقول : أظن أقوم ، وأظن قمت ؟ قلت : لو فعِل ذلك في ظننت إذا كان الفعل للمذكور أجزته وإن كان اسما ؛ مثل قولهم : عسى الغُوَيْرُ أَبْؤُساً ، والخلقْة لأنْ ، فإذا قلت ذلك قلته في أظن فقلت : أظن أقوم ، وأظن قمت ؛ لأن الفعل لك ، ولا يجوز أظن يقوم زيد ، ولا عسيت يقوم زيد ؛ ولا أردت يقوم زيد ؛ وجاز والفعل له لأنك إذا حوّلت يفعل إلى فاعِل اتصلت به وهي منصوبة بصاحبها ، فيقول : أريد قائما ؛ والقيامَ لك . ولا تقول أريد قائما زيد ، ومن قال هذا القول قال مثله في ظننت . وقد أنشدني بعضهم لذي الرُّمَّة :

أَظَنَّ ابْنُ طُرْثوثِ عُتَيْبةُ ذاهبا *** بعادِيَّتِي تَكْذابُه وَجعائلُهْ

فهذا مذهب لقراءة حمزة ؛ يجعل ( سبقوا ) في موضع نصب : لا يحسبن الذين كفروا سابقين . وما أحبها لشذوذها .