{ فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى } قال ابن عباس : هشيما متغيرا . وعن مجاهد ، وقتادة ، وابن زيد ، نحوه .
قال ابن جرير : وكان بعض أهل العلم بكلام العرب{[29970]} يرى أن ذلك من المؤخر الذي معناه التقديم ، وأن معنى الكلام : والذي أخرج المرعى أحوى ، أي : أخضر إلى السواد ، فجعله غثاء بعد ذلك . ثم قال ابن جرير : وهذا وإن كان محتملا إلا أنه غير صواب ؛ لمخالفته أقوال أهل التأويل .
والغُثاء : بضم الغين المعجمة وتخفيف المثلثة ، ويقال بتشديد المثلثة هو اليابس من النبت .
والأحوى : الموصوف بالحُوَّة بضم الحاء وتشديد الواو ، وهي من الألوان : سُمرة تقرب من السواد . وهو صفة { غثاء } لأن الغثاء يابس فتصير خضرته حُوّة .
وهذا الوصف أحوى لاستحضار تغيُّر لونه بعد أن كان أخضر يانعاً وذلك دليل على تصرفه تعالى بالإنشاء وبالإنهاء . وفي وصف إخراج الله تعالى المرعى وجعله غُثاء أحوى مع ما سبقه من الأوصاف في سياق المناسبة بينها وبين الغرض المسوق له الكلام إيماء إلى تمثيل حال القرآن وهدايته وما اشتمل عليه من الشريعة التي تنفع الناس بحال الغيث الذي يَنبت به المرعَى فتنتفع به الدواب والأنعام ، وإلى أن هذه الشريعة تكمل ويبلغ ما أراد الله فيها كما يكمل المرعَى ويبلغ نُضجه حين يصير غثاء أحوى ، على طريقة تمثيلية مكنية رُمز إليها بذكر لازم الغيث وهو المرعى .
وقد جاء بيان هذا الإِيماء وتفصيله بقول النبي صلى الله عليه وسلم « مثل ما بَعَثني الله به من الهُدى والعِلم كمثَل الغيث الكثير أصابَ أرضاً فكان منها نَقِيُّةٌ قَبِلَتْ الماء فأنبتت الكلأ والعُشُبَ الكثير ، وكانت منها أجادب أمسكت الماء ، فنفع الله بها الناس فشربوا وسَقوا وزرعوا » الحديث .
ويجوز أن يكون المقصود من جملة : { فجعله غثاء أحوى } إدماج العبرة بتصاريف ما أودع الله في المخلوقات من مختلف الأطوار من الشيء إلى ضده للتذكير بالفناء بعد الحياة كما قال تعالى : { اللَّه الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفاً وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير } [ الروم : 54 ] للإِشارة إلى أن مدة نضارة الحياة للأشياء تشبه المدة القصيرة ، فاستعير لعطف { جعله غثاء } الحرفُ الموضوع لعطف ما يحصل فيه حكم المعطوف بعدَ زمن قريب من زمن حصول المعطوف عليه ، ويكون ذلك من قبيل قوله تعالى : { إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام } إلى قوله : { فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالأمس } [ يونس : 24 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.