اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَجَعَلَهُۥ غُثَآءً أَحۡوَىٰ} (5)

قوله : { فَجَعَلَهُ غُثَآءً أحوى } . «غثاء » : إما مفعول ثانٍ : وإما حال .

«والغُثَّاء » : - بتشديد الثاء وتخفيفها - وهو الصحيح ، ما يغترفه السيل على جوانب الوادي من النبات ونحوه ؛ قال امرؤ القيس : [ الطويل ]

5177- كَأنَّ طَميَّاتِ المُجيمِرِ غُدوَةً *** مِن السَّيْلِ والأغْثَاءِ فلكةُ مِغْزَلِ{[59893]}

ورواه الفراء : «والأغثاء » على الجمع ، وفيه غرابة من حيث جمع «فعالاً » على «أفعال » .

قوله تعالى : { أحوى } . فيه وجهان :

أظهرهما : أنه نعت ل «غثاء » .

والثاني : أنه حال من المرعى .

قال أبو البقاء{[59894]} : «فقدَّم بعض الصلة » ، يعني : أن الأصل أخرج المرعى أحوى ، فجعله غثاء .

قال شهابُ الدِّين{[59895]} : ولا يسمى هذا تقديماً لبعض الصلة .

والأحْوَى : «أفعل » من الحُوَّة ، وهي سوادٌ يضرب إلى الخُضْرَة ؛ قال ذو الرُّمَّة : [ البسيط ]

5178- لمْيَاءُ فِي شَفتيْهَا حُوَّةٌ لَعَسٌ *** وفِي اللِّثاتِ وفي أنْيَابِهَا شَنَبُ{[59896]}

وقد استدلَّ بعض النحاة على وجود بدل الغلط بهذا البيت .

وقيل : خضرة عليها سواد ، والأحْوَى «الظبي ؛ لأن في ظهره خطَّين ؛ قال : [ الطويل ]

5179- وفِي الحيِّ أحْوَى يَنفضُ المَرْدَ شَادِنٌ *** مُظَاهِرُ سِمْطَيْ لُؤلؤٍ وزَبَرْجَدِ{[59897]}

ويقال : رجل أحْوَى ، وامرأة حوَّاءُ ، وجمعهما «حُوٌّ » نحو : أحْمَر وحَمْراء وحُمْر ، قال القرطبيُّ{[59898]} : «وفي الصِّحاح » : «والحُوَّةُ : حمرة الشفة ، يقال : رجل أحْوَى وامرأة حوَّاء وقد حويتُ ، وبعير أحْوَى : إذا خالط خضرته سواد وصُفْرَة ، قال : وتصغير أحْوَى : أحَيْوٍ في لغة من قال : أسَيْود » .

قال عبد الرحمن بن زيدٍ : هذا مثلٌ ضربه الله تعالى للكُفَّار لذهاب الدنيا بعد نضارتها{[59899]} ، والمعنى : أنه صار كذلك بعد خضرته .

وقال أبو عبيدة : فجعله أسود من احتراقه وقدمه ، والرطب إذا يبس اسود .


[59893]:ينظر ديوان امرىء القيس(5)، والقرطبي 29/13، والبحر 8/453.
[59894]:الإملاء 2/285.
[59895]:الدر المصون 6/509.
[59896]:تقدم.
[59897]:البيت لطرفة بن العبد، ينظر ديوانه (48)، شرح المعلقات السبع للزوزني، واللسان (سمط)، والبحر 8/452، والدر المصون 6/510.
[59898]:الجامع لأحكام القرآن 20/13.
[59899]:ينظر المصدر السابق.