الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{فَجَعَلَهُۥ غُثَآءً أَحۡوَىٰ} (5)

" فجعله غثاء أحوى " الغثاء : ما يقذف به السيل على جوانب الوادي من الحشيش والنبات والقماش{[15967]} . وكذلك الغثاء ( بالتشديد ) . والجمع :

الأغثاء ، قتادة : الغثاء : الشيء اليابس . ويقال للبقل والحشيش إذا تحطم ويبس : غثاء وهشيم . وكذلك للذي يكون حول الماء من القماش غثاء ، كما قال :

كأنَّ طَمِيَّةَ{[15968]} المُجَيْمِرِ غدوةً *** من السيل والأغثاء{[15969]} فِلْكَةُ مِغْزَلِ

وحكى أهل اللغة : غثا الوادي وجفا{[15970]} . وكذلك الماء : إذا علاه من الزبد والقماش ما لا ينتفع به . والأحوى : الأسود ، أي أن النبات يضرب إلى الحوة من شدة الخضرة كالأسود . والحوة : السواد . قال الأعشى{[15971]} :

لَمْيَاءُ في شَفَتَيْهَا حُوَّةٌ لَعَسٌ *** وفي اللِّثَاتِ وفي أنيابها شَنَبُ

وفي الصحاح : والحوة : سمرة الشفة . يقال : رجل أحوى ، وامرأة حواء ، وقد حويت . وبعير أحوى إذا خالط خضرته سواد وصفوة . وتصغير أحوى أحيو ، في لغة من قال أسيود . ثم قيل : يجوز أن يكون " أحوى " حالا من " المرعى " ، ويكون المعنى : كأنه من خضرته يضرب إلى السواد . والتقدير : أخرج المرعى أحوى ، فجعله غثاء يقال : قد حوي النبت ؛ حكاه الكسائي ، وقال :

وغيثٍ من الوَسْمِيِّ حُوٍّ تِلاَعُهُ *** تَبَطَّنَتْهُ بشَيْظَم صَلَتَانِ{[15972]}

ويجوز أن يكون " حوى " صفة ل " غثاء " . والمعنى : أنه صار كذلك بعد خضرته . وقال أبو عبيدة : فجعله أسود من احتراقه وقدمه ، والرطب إذا يبس أسود . وقال عبد الرحمن بن زيد : أخرج المرعى أخضر ، ثم لما يبس أسود من احتراقه ، فصار غثاء تذهب به الرياح والسيول . وهو مثل ضربه اللّه تعالى للكفار ، لذهاب الدنيا بعد نضارتها .


[15967]:القماش (بالضم): ما كان على وجه الأرض من فتات الأشياء. وقماش كل شيء: فتاته.
[15968]:كذا رواه صاحب اللسان في (طما)، وقال: طمية: جبل وفي بعض النسخ ومعلقة امرئ القيس: كأن ذرا رأس المجيمر غدوة * وقد أشار التبريزي شارح المعلقة إلى الرواية الأولى. قال: "والمجيمر": أرض لبني فزارة. وطمية: جبل في بلادهم. يقول: قد امتلأ المجيمر، فكأن الجبل في الماء فلكة مغزل لما جمع السيل حوله من الغثاء.
[15969]:في المعلقة: "الغثاء" قال التبريزي: ورواه الفراء " من السيل والأغثاء": جمع الغثاء، وهو قليل في الممدود. قال أبو جعفر: من رواه الأغثاء فقد أخطأ؛ لأن غثاء لا يجمع على أغثاء، وإنما يجمع على أغثية؛ لأن أفعلة جمع الممدود، وأفعالا جمع المقصور، نحو رحا وأرحاء.
[15970]:في الأصول: (وانجفى)، وهو تحريف عن (جفا). والجفاء كغراب: ما يرمي به الوادي.
[15971]:كذا في جميع نسخ الأصل، وهو خطأ. والبيت لذي الرمة كما في ديوانه واللسان. واللمياء من الشفاه: اللطيفة القليلة الدم. اللعس (بفتحتين): لون الشفة إذا كانت تضرب إلى السواد قليلا؛ وذلك يستملح. والشنب: برودة وعذوبة في الفم، ورقة في الأسنان.
[15972]:الوسمى: مطر أول الربيع؛ لأنه يسم الأرض بالنبات. نسب إلى الوسم. والتلاع: جمع التلعة، وهي أرض مرتفعة غليظة يتردد فيها السيل، ثم يدفع منها إلى قلعة أسفل منها. وهي مكرمة من المنابت: وقيل: التلعة مجرى الماء من أعلى الوادي إلى بطون الأرض. وتبطنه: دخلته. والشيظم: الطويل الجسيم الفتى من الناس والخيل. والصلتان: النشيط الحديد الفؤاد من الخيل.