معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَأُمُّهُۥ هَاوِيَةٞ} (9)

قوله تعالى : { فأمه هاوية } مسكنه النار ، سمي المسكن أماً ؛ لأن الأصل في السكون إلى الأمهات ، والهاوية اسم من أسماء جهنم ، وهي المهواة لا يدرك قعرها ، وقال قتادة : وهي كلمة عربية ، كان الرجل إذا وقع في أمر شديد ، يقال : هوت أمه . وقيل : أراد أم رأسه ، يعني أنهم يهوون في النار على رؤوسهم ، وإلى هذا التأويل ذهب قتادة وأبو صالح .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَأُمُّهُۥ هَاوِيَةٞ} (9)

وقوله : { فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ } قيل : معناه : فهو ساقط هاو بأم رأسه في نار جهنم . وعَبَّر عنه بأمه - يعني{[30425]} دماغه - روي نحو هذا عن ابن عباس ، وعكرمة ، وأبي صالح ، وقتادة - قال قتادة : يهوي في النار على رأسه{[30426]} ، وكذا قال أبو صالح : يهوون في النار على رءوسهم .

وقيل : معناه : { فَأُمُّهُ } التي يرجع إليها ، ويصير في المعاد إليها { هَاوِيَةٌ } وهي اسم من أسماء النار .

قال ابن جرير : وإنما قيل للهاوية : أمه ؛ لأنه لا مأوى له غيرها{[30427]} .

وقال ابن زيد : الهاوية : النار ، هي أمه ومأواه التي يرجع إليها ، ويأوي إليها ، وقرأ : { وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ } [ آل عمران : 151 ] .

قال ابن أبي حاتم : وروي عن قتادة أنه قال : هي النار ، وهي مأواهم .

ولهذا قال تعالى مفسرا للهاوية : { وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ نَارٌ حَامِيَةٌ }


[30425]:- (2) في م: "وهو".
[30426]:- (3) في م: "على رءوسهم".
[30427]:- (4) تفسير الطبري (30/183).
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَأُمُّهُۥ هَاوِيَةٞ} (9)

وقوله تعالى : { فأمه هاوية } قال كثير من المفسرين : المراد بالأم نفس الهاوية ، وهي درك من أدراك النار ، وهذا كما يقال للأرض : أم الناس ؛ لأنها تؤويهم ، وكما قال عتبة بن أبي سفيان في الحرب : فنحن بنوها ، وهي أمنا ، فجعل الله الهاوية أم الكافر لما كانت مأواه ، وقال آخرون : هو تفاؤل بشر فيه تجوز ، كما قالوا :«أمه ثاكل » و«هوى نجمه » ونحو هذاز ، وقال أبو صالح وغيره : المراد أم رأسه ؛ لأنهم يهوون على رؤوسهم ، وقرأ طلحة : «فإمُّه » بكسر الهمزة وضم الميم المشددة .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَأُمُّهُۥ هَاوِيَةٞ} (9)

وقوله : { فأمه هاوية } إخبار عنه بالشقاء وسوء الحال ، فالأم هنا يجوز أن تكون مستعملة في حقيقتها . وهاوية : هالكة ، والكلام تمثيل لحال من خفّت موازينه يومئذ بحال الهالك في الدنيا لأن العرب يكنون عن حال المرء بحال أمه في الخير والشر لشدة محبتها ابنها فهي أشد سروراً بسروره وأشد حزناً بما يحزنه . صلّى أعرابي وراءَ إمام فقرأ الإِمام : { واتخذ اللَّه إبراهيم خليلاً } [ النساء : 125 ] فقال الأعرابي : « لقد قَرَّت عينُ أمِّ إبراهيم » ومنه قول ابن زيابة حين تهدده الحارث بن همَّام الشيباني :

يا لهفَ زيّابة للحارث الصا *** بح فالغَانم فالآيب

ويقولون في الشر : هَوتْ أمه ، أي أصابه ما تَهلك به أمه ، وهذا كقولهم : ثكلته أمه ، في الدعاء ، ومنه ما يستعمل في التعجب وأصله الدعاء كقول كعب بن سعد الغَنوي في رثاء أخيه أبي المِغوار :

هَوَتْ أمُّه ما يَبعث الصبحُ غادياً *** وماذا يَرُدُّ الليلُ حينَ يؤوب

أي ماذا يبعث الصبحُ منه غادياً وما يردُّ الليلُ حينَ يؤوب غانماً ، وحذف منه في الموضعين اعتماداً على قرينة رفع الصبح والليل وذِكر : غادياً ويؤوب و ( مِن ) المقدَّرة تجريدية فالكلام على التجريد مثل : لقيت منه أسداً .

فاستعمل المركب الذي يقال عند حال الهلاك وسوء المصير في الحالة المشبهة بحال الهلاك ، ورمز إلى التشبيه بذلك المركب ، كما تضرب الأمثال السائرة .

ويجوز أن يكون « أمه » مستعاراً لمقره ومآله لأنه يأوي إليه كما يأوي الطفل إلى أمه .

و{ هاوية } المكان المنخفض بين الجبلين الذي إذا سقط فيه إنسان أو دابة هلك ، يقال : سقط في الهاوية .

وأريد بها جهنم ، وقيل : هي اسم لجهنم ، أي فمأواه جهنم .

ويجوز أن يكون « أمه » على حذف مضاف ، أي أم رأسه ، وهي أعلى الدماغ ، و { هاوية } ساقطة من قولهم سقط على أم رأسه ، أي هلك .