الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{فَأُمُّهُۥ هَاوِيَةٞ} (9)

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { يوم يكون الناس كالفراش المبثوث } قال : هذا هو الفراش الذي رأيتم يتهافت في النار ، وفي قوله : { وتكون الجبال كالعهن المنفوش } قال : كالصوف ، وفي قوله : { فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية } قال : هي الجنة { وأما من خفت موازينه فأمه هاوية } قال : هي النار مأواهم وأمهم ومصيرهم ومولاهم .

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { فأمه هاوية } قال : مصيره إلى النار ، وهي الهاوية .

وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس { فأمه هاوية } كقولك هويت أمه .

وأخرج ابن المنذر عن قتادة قال : هي كلمة عربية ، إذا وقع رجل في أمر شديد قالوا : هويت أمه .

وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي خالد الوالبي { فأمه هاوية } قال : أم رأسه .

وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال : أم رأسه هاوية في جهنم .

وأخرج ابن جرير عن أبي صالح قال : يهوون في النار على رؤوسهم .

وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال : الهاوية : النار ، هي أمه ومأواه التي يرجع إليها ، ويأوي إليها .

وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن الأشعث بن عبد الله الأعمى قال : إذا مات المؤمن ذهب بروحه إلى روح المؤمنين ، فتقول : روحوا لأخيكم ، فإنه كان في غم الدنيا ، ويسألونه : ما فعل فلان ؟ ما فعل فلان ؟ فيخبرهم ، فيقول : صالح ، حتى يسألوه ما فعل فلان ، فيقول : مات ، أما جاءكم ؟ فيقولون : لا ، ذهب به إلى أمه الهاوية .

وأخرج الحاكم عن الحسن رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إذا مات العبد تلقى روحه أرواح المؤمنين فيقولون له : ما فعل فلان ؟ فإذا قال : مات ، قالوا : ذهب به إلى أمه الهاوية ، فبئست الأم ، وبئست المربية » .

وأخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إذا مات المؤمن تلقته أرواح المؤمنين يسألونه : ما فعل فلان ؟ ما فعلت فلانة ؟ فإن كان مات ولم يأتهم قالوا : خولف به إلى أمه الهاوية ، بئست الأم وبئست المربية ، حتى يقولوا : ما فعل فلان ؟ هل تزوج ؟ ما فعلت فلانة هل تزوجت ؟ فيقولون : دعوه يستريح فقد خرج من كرب الدنيا » .

وأخرج ابن مردويه عن أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «إن نفس المؤمن إذا قبضت تلقتها أهل الرحمة من عباد الله كما يلقون البشير من أهل الدنيا ، فيقولون : انظروا صاحبكم يستريح ، فإنه كان في كرب شديد ، ثم يسألونه ما فعل فلان ؟ وفلانة هل تزوجت ؟ فإذا سألوه عن الرجل قد مات قبله فيقول : هيهات قد مات ذاك قبلي ، فيقولون : إنا لله وإنا إليه راجعون ، ذهب به إلى أمه الهاوية ، فبئست الأم ، وبئست المربية » .

وأخرج ابن المبارك عن أبي أيوب الأنصاري قال : إذا قبضت نفس العبد تلقاها أهل الرحمة من عباد الله كما يلقون البشير في الدنيا ، فيقبلون عليه ليسألوه فيقول بعضهم لبعض : انظروا أخاكم حتى يستريح ، فإنه كان في كرب ، فيقبلون عليه يسألونه ما فعل فلان ما فعلت فلانة هل تزوجت ؟ فإذا سألوه عن الرجل مات قبله قال لهم : إنه قد هلك ، فيقولون : إنا لله وإنا إليه راجعون ، ذهب به إلى أمه الهاوية ، فبئست الأم ، وبئست المربية ، فيعرض عليهم أعمالهم ، فإذا رأوا حسناً فرحوا واستبشروا وقالوا : هذه نعمتك على عبدك فأتمها ، وإن رأوا سوءاً قالوا : اللهم راجع عبدك . قال ابن المبارك : ورواه سلام الطويل عن ثور فرفعه .

وأخرج ابن المبارك عن سعيد بن جبير أنه قيل له : هل يأتي الأموات أخبار الأحياء ؟ قال : نعم ، ما من أحد له حميم إلا يأتيه أخبار أقاربه ، فإن كان خيراً سرّ به وفرح به ، وإن كان شراً ابتأس لذلك وحزن ، حتى إنهم ليسألون عن الرجل قد مات فيقال : ألم يأتكم ؟ فيقولون : لقد خولف به إلى أمه الهاوية .

وأخرج أبو نعيم في الحلية عن وهب بن منبه رضي الله عنه قال : مر عيسى عليه السلام بقرية قد مات أهلها إنسها وجنها وهوامها وأنعامها وطيورها ، فقام ينظر إليها ساعة ، ثم أقبل على أصحابه فقال : مات هؤلاء بعذاب الله ، ولو ماتوا بغير ذلك ماتوا متفرقين ، ثم ناداهم : يا أهل القرية . فأجابه مجيب : لبيك يا روح الله . قال : ما كان جنايتكم ؟ قالوا عبادة الطاغوت وحب الدنيا . قال : وما كانت عبادتكم الطاغوت ؟ قال : الطاعة لأهل معاصي الله تعالى . قال : فما كان حبكم الدنيا ؟ قالوا : كحب الصبيّ لأمه . كنا إذا أقبلت فرحنا ، وإذا أدبرت حزنا مع أمل بعيد ، وإدبار عن طاعة الله ، وإقبال في سخط الله . قال : وكيف كان شأنكم ؟ قالوا : بتنا ليلة في عافية وأصبحنا في الهاوية . فقال عيسى : وما الهاوية ؟ قال : سجين . قال : وما سجين ؟ قال : جمرة من نار مثل أطباق الدنيا ، كلها دفنت أرواحنا فيها . قال : فما بال أصحابك لا يتكلمون ؟ قال : لا يستطيعون أن يتكلموا ، ملجمون بلجام من نار . قال : فكيف كلمتني أنت من بينهم ؟ قال : إني كنت فيهم ولم أكن على حالهم ، فلما جاء البلاء عمني معهم ، فأنا معلق بشعرة في الهاوية ، لا أدري أكردس في النار أم أنجو . فقال عيسى : بحق أقول لكم : لأكل خبز الشعير ، وشرب ماء القراح ، والنوم على المزابل مع الكلاب ، كثير مع عافية الدنيا والآخرة .