معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ يُغۡشِي ٱلَّيۡلَ ٱلنَّهَارَ يَطۡلُبُهُۥ حَثِيثٗا وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَ وَٱلنُّجُومَ مُسَخَّرَٰتِۭ بِأَمۡرِهِۦٓۗ أَلَا لَهُ ٱلۡخَلۡقُ وَٱلۡأَمۡرُۗ تَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (54)

قوله تعالى : { إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام } ، أراد به في مقدار ستة أيام لأن اليوم من لدن طلوع الشمس إلى غروبها ، ولم يكن يومئذ يوم ولا شمس ، ولا سماء . وقيل : ستة أيام كأيام الآخرة ، وكل يوم كألف سنة ، وقيل : كأيام الدنيا ، قال سعيد بن جبير : كان الله عز وجل قادراً على خلق السموات والأرض في لمحة ولحظة ، فخلقهن في ستة أيام ، تعليماً لخلقه التثبت والتأني في الأمور ، وقد جاء في الحديث : ( التأني من الرحمن والعجلة من الشيطان ) .

قوله تعالى : { ثم استوى على العرش } ، قال الكلبي ومقاتل : استقر ، وقال أبو عبيدة : صعد ، وأولت المعتزلة الاستواء بالاستيلاء ، فأما أهل السنة فيقولون : الاستواء على العرش صفة لله تعالى بلا كيف ، يجب على الرجل الإيمان به ، ويكل العلم فيه إلى الله عز وجل ، وسأل رجل مالك بن أنس عن قوله : { الرحمن على العرش استوى } [ طه :5 ] ، كيف استوى ؟ فأطرق رأسه ملياً ، وعلاه الرحضاء ، ثم قال : الاستواء غير مجهول ، والكيف غير معقول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة ، وما أظنك إلا ضالاً ، ثم أمر به فأخرج . وروي عن سفيان الثوري ، والأوزاعي ، والليث بن سعد ، وسفيان بن عيينة ، وعبد الله بن المبارك ، وغيرهم من علماء السنة في هذه الآيات التي جاءت في الصفات المتشابهات ، أمروها كما جاءت بلا كيف ، والعرش في اللغة : هو السرير ، وقيل : هو ما علا فأظل ، ومنه عرش الكروم ، وقيل : العرش الملك .

قوله تعالى : { يغشي الليل النهار } ، قرأ حمزة ، والكسائي ، وأبو بكر ، ويعقوب : ( يغشي ) بالتشديد هاهنا ، وفي سورة الرعد ، والباقون بالتخفيف ، أي : يأتي الليل على النهار فيغطيه ، وفيه حذف أي : ويغشي النهار الليل ، ولم يذكره لدلالة الكلام عليه ، وذكر في آية أخرى فقال : { يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل } [ الزمر :5 ] .

قوله تعالى : { يطلبه حثيثاً } ، أي : سريعاً ، وذلك أنه إذا كان يعقب أحدهم الآخر ويخلفه ، فكأنه يطلبه .

قوله تعالى : { والشمس والقمر والنجوم مسخرات } ، قرأ ابن عامر كلها بالرفع على الابتداء والخبر ، والباقون بالنصب ، وكذلك في سورة النحل عطفاً على قوله : { خلق السموات والأرض } ، أي : خلق هذه الأشياء مسخرات ، أي : مذللات .

قوله تعالى : { بأمره ألا له الخلق والأمر } ، له الخلق لأنه خلقهم ، وله الأمر ، يأمر في خلقه بما يشاء ، قال سفيان بن عيينة : فرق الله بين الخلق والأمر ، فمن جمع بينهما فقد كفر .

قوله تعالى : { تبارك الله } ، أي : تعالى الله وتعظم . وقيل : ارتفع . والمبارك المرتفع . وقيل : تبارك تفاعل من البركة وهي النماء والزيادة ، أي : البركة تكتسب وتنال بذكره ، وعن ابن عباس قال : جاء بكل بركة ، وقال الحسن : تجيء البركة من عنده وقيل : تبارك : تقدس . والقدس : الطهارة ، وقيل : { تبارك الله } أي : باسمه يتبرك في كل شيء . وقال المحققون : معنى هذه الصفة ثبت ودام بما لم يزل ولا يزال . وأصل البركة الثبوت . ويقال : تبارك لله ، ولا يقال : متبارك ولا مبارك ، لأنه لم يرد به التوقيف .

قوله تعالى : { رب العالمين } .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ يُغۡشِي ٱلَّيۡلَ ٱلنَّهَارَ يَطۡلُبُهُۥ حَثِيثٗا وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَ وَٱلنُّجُومَ مُسَخَّرَٰتِۭ بِأَمۡرِهِۦٓۗ أَلَا لَهُ ٱلۡخَلۡقُ وَٱلۡأَمۡرُۗ تَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (54)

يخبر تعالى بأنه خلق هذا العالم : سماواته وأرضه ، وما بين ذلك في ستة أيام ، كما أخبر بذلك في غير ما آية من القرآن ، والستة الأيام هي : الأحد ، والاثنين ، والثلاثاء ، والأربعاء ، والخميس ، والجمعة - وفيه اجتمع الخلق كله ، وفيه خلق آدم ، عليه السلام . واختلفوا في هذه الأيام : هل كل يوم منها كهذه الأيام كما هو المتبادر إلى الأذهان{[11812]} ؟ أو كل يوم كألف سنة ، كما نص على ذلك مجاهد ، والإمام أحمد بن حنبل ، ويروى ذلك من رواية الضحاك عن ابن عباس ؟ فأما يوم السبت فلم يقع فيه خلق ؛ لأنه اليوم السابع ، ومنه سمي السبت ، وهو القطع .

فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده حيث قال : حدثنا حجاج ، حدثنا ابن جُرَيْج ، أخبرني إسماعيل بن أُمَيَّة ، عن أيوب بن خالد ، عن عبد الله بن رافع - مولى أم سلمة - عن أبي هريرة قال : أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فقال : " خلق الله التربة يوم السبت ، وخلق الجبال فيها يوم الأحد ، وخلق الشجر فيها يوم الاثنين ، وخلق المكروه يوم الثلاثاء ، وخلق النور يوم الأربعاء ، وبث فيها الدواب يوم الخميس ، وخلق آدم بعد العصر يوم الجمعة آخر الخلق ، في آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل " .

فقد رواه مسلم بن الحجاج في صحيحه والنسائي من غير وجه ، عن حجاج - وهو ابن محمد الأعور - عن ابن جريج به{[11813]} وفيه استيعاب الأيام السبعة ، والله تعالى قد قال في ستة أيام ؛ ولهذا تكلم البخاري وغير واحد من الحفاظ في هذا الحديث ، وجعلوه من رواية أبي هريرة ، عن كعب الأحبار ، ليس مرفوعا ، والله أعلم .

وأما قوله تعالى : { ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ } فللناس في هذا المقام مقالات كثيرة جدا ، ليس هذا موضع بسطها ، وإنما يُسلك في هذا المقام مذهب السلف الصالح : مالك ، والأوزاعي ، والثوري ، والليث بن سعد ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه وغيرهم ، من أئمة المسلمين قديما وحديثا ، وهو إمرارها كما جاءت من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل . والظاهر المتبادر إلى أذهان المشبهين منفي عن الله ، فإن الله لا يشبهه شيء من خلقه ، و { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } [ الشورى : 11 ] بل الأمر كما قال الأئمة - منهم نُعَيْم بن حماد الخزاعي شيخ البخاري - : " من شبه الله بخلقه فقد كفر ، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر " . وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه ، فمن أثبت لله تعالى ما وردت به الآيات الصريحة والأخبار الصحيحة ، على الوجه الذي يليق بجلال الله تعالى ، ونفى عن الله تعالى النقائص ، فقد سلك سبيل الهدى .

وقوله تعالى : { يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا } أي : يذهب ظلام هذا بضياء هذا ، وضياء هذا بظلام هذا ، وكل منهما يطلب الآخر طلبًا حثيثًا ، أي : سريعًا لا يتأخر عنه ، بل إذا ذهب هذا جاء هذا ، وإذا جاء هذا ذهب هذا ، كما قال تعالى : { وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } [ يس : 37 - 40 ] فقوله : { وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ } أي : لا يفوته بوقت يتأخر عنه ، بل هو في أثره لا واسطة بينهما ؛ ولهذا قال : { يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ } - منهم من نصب ، ومنهم من رفع ، وكلاهما قريب المعنى ، أي : الجميع تحت قهره وتسخيره ومشيئته ؛ ولهذا قال منَبِّها : { أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأمْرُ } ؟ أي : له الملك والتصرف ، { تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } كما قال [ تعالى ]{[11814]} { تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا [ وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا ] }{[11815]} [ الفرقان : 61 ] .

وقال ابن جرير : حدثني المثنى ، حدثنا إسحاق ، حدثنا هشام أبو عبد الرحمن ، حدثنا بَقِيِّة بن الوليد ، حدثنا عبد الغفار بن عبد العزيز الأنصاري ، عن عبد العزيز الشامي ، عن أبيه - وكانت له صحبة - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من لم يحمد الله على ما عمل من عمل صالح ، وحمد نفسه ، فقد كفر وحبط عمله . ومن زعم أن الله جعل للعباد من الأمر شيئا ، فقد كفر بما أنزل الله على أنبيائه ؛ لقوله : { أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ }{[11816]}

وفي الدعاء المأثور ، عن أبي الدرداء - وروي مرفوعا - : " اللهم لك الملك كله ، ولك الحمد كله ، وإليك يرجع الأمر كله ، أسألك من الخير كله ، وأعوذ بك من الشر كله " {[11817]}


[11812]:في م: "الفهم".
[11813]:المسند (1/327) وصحيح مسلم برقم (2789) وسنن النسائي الكبرى برقم (11010).
[11814]:زيادة من ك.
[11815]:زيادة من م، أ، وفي هـ: "الآية".
[11816]:تفسير الطبري (12/484).
[11817]:سبق الكلام على هذا الأثر، وذكر وجوه رفعه عند الآية: 2 من سورة الفاتحة.
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ يُغۡشِي ٱلَّيۡلَ ٱلنَّهَارَ يَطۡلُبُهُۥ حَثِيثٗا وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَ وَٱلنُّجُومَ مُسَخَّرَٰتِۭ بِأَمۡرِهِۦٓۗ أَلَا لَهُ ٱلۡخَلۡقُ وَٱلۡأَمۡرُۗ تَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (54)

وقوله تعالى : { إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام } الآية ، خطاب عام يقتضي التوحيد والحجة وعليه بدلائله ، والرب أصله في اللغة المصلح من رب يرب وهو يجمع في جهة ذكر الله تعالى المالك والسيد وغير ذلك من استعمالات العرب ، ولا يقال الرب معرفاً إلا لله ، وإنما يقال في البشر بإضافة ، وروى بكار بن الشقير «إن ربكم اللهَ » بنصب الهاء ، وقوله { في ستة أيام } حكى الطبري عن مجاهد أن اليوم كألف سنة ، وهذا كله والساعة اليسيرة سواء في قدرة الله تعالى ، وأما وجه الحكمة في ذلك فمما انفرد الله عز وجل بعلمه كسائر أحوال الشرائع ، وما ذهب إليه من أراد أن يوجه هذا كالمهدوي وغيره تخرص ، وجاء في التفسير وفي الأحاديث أن الله ابتدأ الخلق يوم الأحد وكملت المخلوقات يوم الجمعة ، ثم بقي دون خلق يوم السبت ، ومن ذلك اختارته اليهود لراحتها ، وعلى هذا توالت تفاسير الطبري وغيره ، ولليهود لعنهم الله تعالى في هذا كلام سوء تعالى الله عما يصفون .

ووقع حديث في كتاب مسلم بن الحجاج في كتاب الدلائل لثابت السرقسطي ، أن الله تعالى خلق التربة يوم السبت وذكره مكي في الهداية ، وقوله تعالى : { استوى على العرش } معناه عند أبي المعالي وغيره من حذاق المتكلمين بالملك والسلطان ، وخص العرش بالذكر تشريفاً له إذ هو أعظم المخلوقات ، وقال سفيان الثوري : فعل فعلاً في العرش سماه استواء .

قال القاضي أبو محمد : و { العرش } مخلوق معين جسم ما ، هذا الذي قررته الشريعة ، وبلغني عن أبي الفضيل بن النحوي أنه قال : العرش مصدر عرش يعرش عرشاً ، والمراد بقوله { استوى على العرش } هذا .

قال القاضي أبو محمد : وهذا خروج كثير عن ما فهم من العرش في غير ما حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر «يُغشي » من أغشى ، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي «يعشّي » بالتشديد من غشّى ، وهما طريقان في تعدية «غشي » إلى مفعول ثان ، وقرأ حميد «يغَشَى » بفتح الياء والشين ونصب «الليلَ » ورفع «النهارُ » ، كذا قال أبو الفتح وقال أبو عمرو الداني برفع «الليلُ » .

قال القاضي أبو محمد : وأبو الفتح أثبت و { حثيثاً } معناه سريعاً ، و { يطلبه حثيثاً } حال من الليل بحسب اللفظ على قراءة الجماعة ، ومن النهار بحسب المعنى ، وأما على قراءة حميد فمن النهار في الوجهين ، ويحتمل أن يكون حالاً منهما ، ومثله قوله تعالى : { فأتت به قومها تحمله } فيصح أن يكون { تحمله } حالاً منها ، وأن يكون حالاً منه وأن يكون حالاًَ منهما و { مسخرات } في موضع الحال ، وقرأ ابن عامر وحده من السبعة و «الشمسُ والقمرُ والنجومُ مسخراتٌ » بالرفع في جميعها ، ونصب الباقون هذه الحروف كلها ، وقرأ أبان بن تغلب و «الشمسَ والقمرَ » بالنصب ، و «النجومُ مسخراتٌ » بالرفع .

و { ألا } استفتاح كلام فاستفتح بها في هذا الموضع هذا الخبر الصادق المرشد .

قال القاضي أبو محمد : وأخذ المفسرون { الخلق } بمعنى المخلوقات . أي هي له كلها وملكه واختراعه ، وأخذوا { الأمر } مصدراً من أمر يأمر ، وعلى هذا قال النقاش وغيره : إن الآية ترد على القائلين بخلق القرآن لأنه فرق فيها بين المخلوقات وبين الكلام إذ الأمر كلامه عز وجل .

قال القاضي أبو محمد : ويحتمل أن تؤخذ لفظة { الخلق } على المصدر من خلق يخلق خلقاً أي له هذه الصفة إذ هو الموجد للأشياء بعد العدم ، ويؤخذ { الأمر } على أنه واحد من الأمور إلا أنه يدل على الجنس فيكون بمنزلة قوله { وإليه يرجع الأمر كله } وبمنزلة قوله { وإلى الله ترجع الأمور } فإذا أخذت اللفظتان هكذا خرجتا عن مسألة الكلام .

قال القاضي أبو محمد : ولما تقدم في الآية خلق وبأمره تأكد في آخره أن { له الخلق والأمر } المصدرين حسب تقدمهما ، وكيف ما تأولت الآية فالجميع لله ، وأسند الطبري إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «من زعم أن الله تعالى جعل لأحد من العباد شيئاً من الأمر فقد كفر بما أنزل الله لقوله تعالى : { ألا له الخلق والأمر } » ، قال النقاش : ذكر الله الإنسان في القرآن في ثمانية عشر موضعاً في جميعها أنه مخلوق ، وذكر القرآن في أربعة وخمسين موضعاً ليس في واحد منها إشارة إلى أنه مخلوق ، وقال الشعبي { الخلق } عبارة عن الدنيا و { الأمر } عبارة عن الآخرة ، و { تبارك } معناه عظم وتعالى وكثرت بركاته ، ولا يوصف بها إلا الله تعالى ، و { تبارك } لا يتصرف في كلام العرب ، لا يقال منه يتبارك ، وهذا منصوص عليه لأهل اللسان .

قال القاضي أبو محمد : وعلة ذلك أن { تبارك } لما لم يوصف بها غير الله تعالى لم تقتض مستقبلاً إذ الله قد تبارك في الأزل ، وقد غلط بها أبو علي القالي فقيل له كيف المستقبل من تبارك ؟ فقال يتبارك فوقف على أن العرب ، لم تقله ، و «الرب » السيد المصلح ، و { العالمين } جمع عالم .