قوله : { إن ربكم الله الذي خلق السماوات [ والارض ]{[23926]}[ 54 ] ، الآية .
احتج من خفف { يغشي }[ 54 ] ، بقوله : { فأغشيناهم }{[23927]} .
واحتج من شدد بقوله : { فغشاها ما غشى }{[23928]} ، وبأن{[23929]} التشديد يوجب التكرير ، وكذلك هو فعل يتكرر ويتردد ، وذلك أن كل يوم دخل ليله غير ليل اليوم الآخر ، فالتغشية مكررة لمجيئها{[23930]} يوما بعد يوم ، ليلة بعد ليلة{[23931]} .
وقوله : { حثيثا }[ 54 ] . أي : طلبا حثيثا{[23932]} .
والمعنى : إن سيدكم ومصلح أموركم{[23933]} ، هو { الله الذي خلق السماوات والارض في ستة أيام }[ 54 ] ، وذلك يوم الأحد ، والاثنين ، والثلاثاء ، والأربعاء ، والخميس ، والجمعة{[23934]} .
قال مجاهد : بدأ بخلق العرش والماء الهواء ، وخلقت الأرض من الماء ، كان جمع الخلق يوم الجمعة ، فلذلك سميت الجمعة{[23935]} .
وقوله : { يغشي الليل النهار }[ 54 ] .
أي : يورد الليل على النهار فيلبسه إياه ، حتى يذهب بضوئهن يطلبه طلبا { حثيثا } ، أي : سريعا حتى يدركه{[23936]} .
{ ألا له الخلق والامر }[ 54 ] .
{ الخلق } : المخلوق{[23937]} .
{ والامر } هو : كلامه الذي به تكون{[23938]} المخلوقات ، فهو غير مخلوق ، وصفة من صفاته ، كعلمه وقدرته ، لا يشبه كلام المخلوقين ، ولا يقدر فيه صوت ولا حروف ؛ إنما هو كلام له صفة ذاته ، فكما أنه تعالى لا شيء يشبهه ، كذلك{[23939]} صفاته لا تشبهها صفة{[23940]} .
وقال ابن عباس : الدنيا جمعة من جمع الآخرة ، سبعة آلاف سنة .
وقال كعب : الدنيا ستة آلاف سنة .
[ وكذلك{[23941]} ] قال وهب .
[ و{[23942]} ] قال النبي صلى الله عليه وسلم{[23943]} ، : " أجلكم في أجل من كان قبلكم من صلاة العصر إلى مغرب الشمس " {[23944]} .
وقال صلى الله عليه ( وسلم{[23945]} ) يوما عند غروب الشمس : " ( إن ){[23946]} مثل ما بقي من دنياكم في ما مضى ، كهيئة يومكم هذا في ما مضى منه " {[23947]} .
وقال : " بعثت أنا والساعة كهاتين وأشار{[23948]} بأصبعيه : السبابة والوسطى{[23949]} .
قال ابن عباس : سألت اليهود النبي ( عليه السلام{[23950]} ) عن خلق السماوات والأرض فقال : " خلق الله الأرض يوم الأحد والاثنين ، وخلق الجبال يوم الثلاثاء ومنافعها ، / وخلق يوم الأربعاء الشجر والماء والمدائن والعمران والخراب ، فهذه أربعة أيام ، وهو قوله : { قل أئنكم تكفرون بالذي خلق الارض في يومين{[23951]} } ، ثم قال : { وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام{[23952]} } . قال : وخلق يوم الخميس السماء ، وخلق يوم الجمعة النجوم والشمس والقمر إلى ثلاثة ساعات منه . وخلق في أول ساعة من هذه الثلاث ساعات من حَيي ومن يموت ، وفي الثانية ألقى الآفة{[23953]} على كل شيء مما ينتفع به الناس ، وفي الثالثة منه خلق آدم ( عليه السلام{[23954]} ) . وأسكنه الجنة ، وأمر إبليس بالسجود له ، وأخرجه منها آخر{[23955]} ساعة " ، ثم قالت{[23956]} اليهود : ثم ماذا يا محمد ؟ قال : " ثم استوى على العرش " قالوا : قد أصبت لو أتممت ، قالوا : ثم استراح ، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم{[23957]} ، غضبا شديدا ، فنزل : { ولقد خلقنا السموات والارض{[23958]} وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب }{[23959]} .
واللغوب : الإعياء{[23960]} .
واليهود ، عليهم اللعنة ، تتأول في السبت ، أنه يوم الراحة ، فلذلك جعلوه لأنفسهم راحة لا يتصرفون فيه ، تعالى الله عن ذلك{[23961]} .
قال قتادة : أوحى الله في كل سماء أمرها : خلق شمسها وقمرها ونجومها وصلاحها{[23962]} . فخلق الشمس والقمر كان بعد [ خلق{[23963]} ] السموات والأرض .
قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ){[23964]} : " أول ما خلق الله القلم فقال له : اكتب فجرى{[23965]} في تلك الساعة بما هو كائن " {[23966]} .
قال ابن عباس : ثم رفع بخار{[23967]} الماء ففتق منها السموات والأرض{[23968]} .
وقيل : أول شيء خلق الله النور والظلمة ، ثم ميز بينهما ، فجعل الظلمة ليلا أسود مظلما ، وجعل النور نهارا مبصرا{[23969]} .
فالسموات والأرض تحيط بهما البحار ويحيط بذلك كله الهيكل ، ويحيط بالهيكل الكرسي{[23970]} .
قال وهب : الهيكل شيء{[23971]} من أطراف السموات{[23972]} يحدق{[23973]} بالأرضين{[23974]} والبحار كأطناب{[23975]} الفسطاط .
وكان بين خلقه تعالى ، القلم وخلقه سائر خلقه ألف عام . ولما أراد تعالى أن يخلق السماوات خلق أياما ستة ، فخلق واحدا{[23976]} فسماه الأحد ، وثانيا فسماه : الاثنين ، وثالثا فسماه : الثلاثاء ، ورابعا فسماه : الأربعاء ، وخامسا فسماه : الخميس{[23977]} .
وكان ابتداء الخلق يوم السبت خلق فيه التربة{[23978]} .
وقيل : يوم الأحد{[23979]} .
وقد روي أن الله تعالى خلق البيت العتيق على الماء على أربعة أركان قبل أن يخلق الدنيا بألفي عام ، ثم دحيت الأرض من تحته . قاله ابن عباس{[23980]} .
وكذلك روى مجاهد عن عبد الله بن عمرو{[23981]} .
أي : نزرا{[23982]} قليلا لا فائدة فيه مع قلته ، كذلك الكافر لا يقبل الهدى / فإن قبل شيئا فهو قليل لا فائدة فيه ؛ لأنه على شك{[23983]} وقلة يقين . قال ذلك ابن عباس وقتادة{[23984]} .
وقال السدي : هو مثل ضربه الله تعالى للقلوب لما نزل عليها القرآن ، كنزول المطر على الأرض ، فقلب المؤمن كالأرض الطيبة القابلة للماء الذي تنتفع به فيما تخرج{[23985]}[ و{[23986]} ] قلب الكافر كالأرض السبخة التي لا تنتفع بما تقبل من الماء{[23987]} .
وقال ابن عباس : الليل خلق قبل النهار{[23988]} .
وقيل : [ كان{[23989]} ] النهار قبل الليل . ودليل ذلك أن الله تعالى ذكره ، [ كان{[23990]} ] ولا ليل ، ولا نهار ، ولا شيء غيره ؛ وأن نوره كان يضيء به كل شيء خلقه بعدما خلقه ، حتى خلق الليل . فالضياء قبل الظلمة{[23991]} .