الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ يُغۡشِي ٱلَّيۡلَ ٱلنَّهَارَ يَطۡلُبُهُۥ حَثِيثٗا وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَ وَٱلنُّجُومَ مُسَخَّرَٰتِۭ بِأَمۡرِهِۦٓۗ أَلَا لَهُ ٱلۡخَلۡقُ وَٱلۡأَمۡرُۗ تَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (54)

قوله : { إن ربكم الله الذي خلق السماوات [ والارض ]{[23926]}[ 54 ] ، الآية .

احتج من خفف { يغشي }[ 54 ] ، بقوله : { فأغشيناهم }{[23927]} .

واحتج من شدد بقوله : { فغشاها ما غشى }{[23928]} ، وبأن{[23929]} التشديد يوجب التكرير ، وكذلك هو فعل يتكرر ويتردد ، وذلك أن كل يوم دخل ليله غير ليل اليوم الآخر ، فالتغشية مكررة لمجيئها{[23930]} يوما بعد يوم ، ليلة بعد ليلة{[23931]} .

وقوله : { حثيثا }[ 54 ] . أي : طلبا حثيثا{[23932]} .

والمعنى : إن سيدكم ومصلح أموركم{[23933]} ، هو { الله الذي خلق السماوات والارض في ستة أيام }[ 54 ] ، وذلك يوم الأحد ، والاثنين ، والثلاثاء ، والأربعاء ، والخميس ، والجمعة{[23934]} .

قال مجاهد : بدأ بخلق العرش والماء الهواء ، وخلقت الأرض من الماء ، كان جمع الخلق يوم الجمعة ، فلذلك سميت الجمعة{[23935]} .

وقوله : { يغشي الليل النهار }[ 54 ] .

أي : يورد الليل على النهار فيلبسه إياه ، حتى يذهب بضوئهن يطلبه طلبا { حثيثا } ، أي : سريعا حتى يدركه{[23936]} .

{ ألا له الخلق والامر }[ 54 ] .

{ الخلق } : المخلوق{[23937]} .

{ والامر } هو : كلامه الذي به تكون{[23938]} المخلوقات ، فهو غير مخلوق ، وصفة من صفاته ، كعلمه وقدرته ، لا يشبه كلام المخلوقين ، ولا يقدر فيه صوت ولا حروف ؛ إنما هو كلام له صفة ذاته ، فكما أنه تعالى لا شيء يشبهه ، كذلك{[23939]} صفاته لا تشبهها صفة{[23940]} .

وقال ابن عباس : الدنيا جمعة من جمع الآخرة ، سبعة آلاف سنة .

وقال كعب : الدنيا ستة آلاف سنة .

[ وكذلك{[23941]} ] قال وهب .

[ و{[23942]} ] قال النبي صلى الله عليه وسلم{[23943]} ، : " أجلكم في أجل من كان قبلكم من صلاة العصر إلى مغرب الشمس " {[23944]} .

وقال صلى الله عليه ( وسلم{[23945]} ) يوما عند غروب الشمس : " ( إن ){[23946]} مثل ما بقي من دنياكم في ما مضى ، كهيئة يومكم هذا في ما مضى منه " {[23947]} .

وقال : " بعثت أنا والساعة كهاتين وأشار{[23948]} بأصبعيه : السبابة والوسطى{[23949]} .

قال ابن عباس : سألت اليهود النبي ( عليه السلام{[23950]} ) عن خلق السماوات والأرض فقال : " خلق الله الأرض يوم الأحد والاثنين ، وخلق الجبال يوم الثلاثاء ومنافعها ، / وخلق يوم الأربعاء الشجر والماء والمدائن والعمران والخراب ، فهذه أربعة أيام ، وهو قوله : { قل أئنكم تكفرون بالذي خلق الارض في يومين{[23951]} } ، ثم قال : { وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام{[23952]} } . قال : وخلق يوم الخميس السماء ، وخلق يوم الجمعة النجوم والشمس والقمر إلى ثلاثة ساعات منه . وخلق في أول ساعة من هذه الثلاث ساعات من حَيي ومن يموت ، وفي الثانية ألقى الآفة{[23953]} على كل شيء مما ينتفع به الناس ، وفي الثالثة منه خلق آدم ( عليه السلام{[23954]} ) . وأسكنه الجنة ، وأمر إبليس بالسجود له ، وأخرجه منها آخر{[23955]} ساعة " ، ثم قالت{[23956]} اليهود : ثم ماذا يا محمد ؟ قال : " ثم استوى على العرش " قالوا : قد أصبت لو أتممت ، قالوا : ثم استراح ، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم{[23957]} ، غضبا شديدا ، فنزل : { ولقد خلقنا السموات والارض{[23958]} وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب }{[23959]} .

واللغوب : الإعياء{[23960]} .

واليهود ، عليهم اللعنة ، تتأول في السبت ، أنه يوم الراحة ، فلذلك جعلوه لأنفسهم راحة لا يتصرفون فيه ، تعالى الله عن ذلك{[23961]} .

قال قتادة : أوحى الله في كل سماء أمرها : خلق شمسها وقمرها ونجومها وصلاحها{[23962]} . فخلق الشمس والقمر كان بعد [ خلق{[23963]} ] السموات والأرض .

قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ){[23964]} : " أول ما خلق الله القلم فقال له : اكتب فجرى{[23965]} في تلك الساعة بما هو كائن " {[23966]} .

قال ابن عباس : ثم رفع بخار{[23967]} الماء ففتق منها السموات والأرض{[23968]} .

وقيل : أول شيء خلق الله النور والظلمة ، ثم ميز بينهما ، فجعل الظلمة ليلا أسود مظلما ، وجعل النور نهارا مبصرا{[23969]} .

فالسموات والأرض تحيط بهما البحار ويحيط بذلك كله الهيكل ، ويحيط بالهيكل الكرسي{[23970]} .

قال وهب : الهيكل شيء{[23971]} من أطراف السموات{[23972]} يحدق{[23973]} بالأرضين{[23974]} والبحار كأطناب{[23975]} الفسطاط .

وكان بين خلقه تعالى ، القلم وخلقه سائر خلقه ألف عام . ولما أراد تعالى أن يخلق السماوات خلق أياما ستة ، فخلق واحدا{[23976]} فسماه الأحد ، وثانيا فسماه : الاثنين ، وثالثا فسماه : الثلاثاء ، ورابعا فسماه : الأربعاء ، وخامسا فسماه : الخميس{[23977]} .

وكان ابتداء الخلق يوم السبت خلق فيه التربة{[23978]} .

وقيل : يوم الأحد{[23979]} .

وقد روي أن الله تعالى خلق البيت العتيق على الماء على أربعة أركان قبل أن يخلق الدنيا بألفي عام ، ثم دحيت الأرض من تحته . قاله ابن عباس{[23980]} .

وكذلك روى مجاهد عن عبد الله بن عمرو{[23981]} .

أي : نزرا{[23982]} قليلا لا فائدة فيه مع قلته ، كذلك الكافر لا يقبل الهدى / فإن قبل شيئا فهو قليل لا فائدة فيه ؛ لأنه على شك{[23983]} وقلة يقين . قال ذلك ابن عباس وقتادة{[23984]} .

وقال السدي : هو مثل ضربه الله تعالى للقلوب لما نزل عليها القرآن ، كنزول المطر على الأرض ، فقلب المؤمن كالأرض الطيبة القابلة للماء الذي تنتفع به فيما تخرج{[23985]}[ و{[23986]} ] قلب الكافر كالأرض السبخة التي لا تنتفع بما تقبل من الماء{[23987]} .

/خ54

وقال ابن عباس : الليل خلق قبل النهار{[23988]} .

وقيل : [ كان{[23989]} ] النهار قبل الليل . ودليل ذلك أن الله تعالى ذكره ، [ كان{[23990]} ] ولا ليل ، ولا نهار ، ولا شيء غيره ؛ وأن نوره كان يضيء به كل شيء خلقه بعدما خلقه ، حتى خلق الليل . فالضياء قبل الظلمة{[23991]} .


[23926]:زيادة من ج.
[23927]:يس: 8. وهي قراءة ابن كثير، ونافع، وأبي عمرو، وابن عامر. الكشف عن وجوه القراءات السبع 1/464، وكتاب السبعة في القراءات 282، وإعراب القراءات السبع وعللها 1/185، وحجة القراءات لأبي زرعة 284.
[23928]:النجم:53. وهي قراءة عاصم، وحمزة، والكسائي. المصادر نفسها فوقه. وينظر البحر المحيط 4/311.
[23929]:في ج: وأن.
[23930]:في الأصل: لمجيها يوم، وهو تحريف وصوابه من ج، وحجة القراءات لأبي زرعة 284.
[23931]:حجة القراءات 284، بتصرف يسير.
[23932]:قال في مشكل إعراب القرآن 1/294،: "قوله: {حثيثا}، نعت لمصدر محذوف وتقديره: طلبا حثيثا. ويجوز أن يكون نصبا على الحال، أي: حاثا، وساقه ابن الأنباري في البيان 1/364، 365، بلفظه. وينظر البحر المحيط 4/311. وقوله: أي: طلبا حثيثا، لحق في الأصل.
[23933]:في ج: أمركم.
[23934]:جامع البيان 12/482، والدر المنثور 3/472، بتصرف.
[23935]:جامع البيان 12/482، والدر المنثور 3/472، بتصرف.
[23936]:جامع البيان 12/483.
[23937]:انظر: المحرر الوجيز 2/409، وتفسير القرطبي 7/142، والبحر المحيط 4/312.
[23938]:في الأصل: يكون، وأثبت ما في ج.
[23939]:في الأصل: فذلك، ولا يستقيم به المعنى، وأثبت ما في ج.
[23940]:مذهب مكي، رحمه الله، في هذا الأصل الكبير من أصول الدين، هو مذهب السلف الذي دلت عليه نصوص الكتاب والسنة، وانعقد عليه إجماع أئمة الأمة. انظر الحيدة والاعتذار للكناني 37، وما بعدها، والإبانة للأشعري 63، وما بعدها، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي 1/216، وعلم الكلام لابن حزم 69، والمختار في أصول السنة لابن البناء البغدادي 51، وما بعدها، وشرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز 1/172، وما بعدها، ومسألة خلق القرآن وموقف علماء القيروان منها 42، وما بعدها
[23941]:زيادة من ج.
[23942]:زيادة من ج.
[23943]:في ج: عليه السلام.
[23944]:مسند الإمام أحمد رقم 5875 وأخرجه البخاري مطولا في كتاب الأنبياء، باب: ما ذكر عن بني إسرائيل، 3272، بلفظ: "إنما أجلكم في أجل من خلا من الأمم، ما بين صلاة العصر إلى مغرب الشمس".
[23945]:ما بين الهلالين ساقط من ج.
[23946]:انظر: المصدر السابق.
[23947]:هو طرف من حديث طويل في مسند الإمام أحمد، رقم 6138، بلفظ: "...إنه لم يبق من دنياكم فيما مضى منها إلا كما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه". ورواته ثقات.
[23948]:في ج: وأشار بالسبابة والوسطى، من دون كلمة: بأصبعيه.
[23949]:أخرجه البخاري في كتاب الرقائق، باب: قول النبي، صلى الله عليه وسلم،: "بعثت أنا والساعة كهاتين"، 6138، 6139. انظر: صحيح الترغيب والترهيب 1/128، رقم: 50، وصحيح الجامع الصغير 1/545، رقم: 2829.
[23950]:ما بين الهلالين ساقط من ج.
[23951]:فصلت: 8، وتمامها: {وتجعلون له أندادا ذالك رب العالمين}.
[23952]:فصلت: 9، وتمامها: {سواء للسائلين}.
[23953]:في الأصل: الألفة، وفي ج: اللفة، وفوقها صاد صغيرة. وأثبت ما في جامع البيان 12/118، 119، وتفسير ابن كثير 4/93، 94، وتفسير الخازن 2/371.
[23954]:ما بين الهلالين ساقط من ج.
[23955]:في الأصل: "أخذ"، وهو تحريف محض، وتصويبه من ج، وجامع البيان.
[23956]:في ج: ثم قالت له.
[23957]:في ج: عليه السلام.
[23958]:ق: 38.
[23959]:جامع البيان 12/118، 119، وأسباب نزول للواحدي 413، 414، وقال محققه: إسناده ضعيف، وتفسير ابن كثير 4/93، 94، وفيه: "هذا الحديث فيه غرابة"، وتفسير الخازن 2/371، بتصرف يسير في ألفاظه.
[23960]:قال الزجاج في معاني القرآن 5/49: "اللغوب: التعب والإعياء. يقال لَغَب يلغب لغوبا" وبابه: دخل، ولغِب (بالكسر)، لغوبا، لغة ضعيفة كما في المختار/لغب. وفي المحرر الوجيز 5/168: "اللغوب: الإعياء والنصب والسأم". وانظر: جامع البيان 13/230.
[23961]:انظر: معاني القرآن للزجاج 5/49، وتفسير ابن كثير 4/229، وفتح القدير 5/93.
[23962]:جامع البيان 12/125، وانظر: المحرر الوجيز 5/7، وتفسير القرطبي 8/285.
[23963]:من ج.
[23964]:ما بين الهلالين ساقط من ج.
[23965]:في الأصل: فجرو، وهو تحريف ليس بشيء.
[23966]:أخرجه الطبري في جامع البيان 14/21، بسنده بزيادة في لفظه. وانظر: مزيد بيان في زاد المسير 8/327، وتفسير ابن كثير 4/400.
[23967]:في الأصل: بحار، بحاء مهملة، وهو تصحيف.
[23968]:انظر: جامع البيان 14/18، وما بعدها، تفسير "سورة القلم".
[23969]:وهو قول محمد بن إسحاق. انظر جامع البيان 1/279.
[23970]:لم أجده فيما لدي من مصادر.
[23971]:كذا في الأصل: وفي ج: أحسبه: الهيكل على شيء...، لأن الأرضة عسرت قراءته.
[23972]:في ج: السماء.
[23973]:في الأصل: يخرق، بخاء معجمة، وليس بشيء، وأثبت ما في ج.
[23974]:في ج: بالأرض.
[23975]:الطنب، بضمتين: حبل طويل يشد به سرادق البيت، أو الوتد، جمع: أطناب وطنبة. ترتيب القاموس/طنب.
[23976]:في الأصل: واحد، هو خطأ ناسخ.
[23977]:انظر: جامع البيان 12/119.
[23978]:وهو قول محمد بن إسحاق في تفسير الخازن 2/93. وينظر جامع البيان 7/6، وزاد المسير 3/211، وفيه: "وهذا اختيار محمد بن إسحاق. قال ابن الأنباري: وهذا إجماع أهل العلم"، وتفسير ابن كثير 2/220.
[23979]:وهو قول عبد الله بن سلام، وكعب، والضحاك، ومجاهد، واختاره ابن جرير الطبري، وبه يقول أهل التوراة، كما في زاد المسير 3/211. وانظر: تفسير الخازن 2/93. قال سعيد بن جبير، كما في تفسير البغوي 3/235،: كان الله عز وجل، قادرا على خلق السموات والأرض في لمحة ولحظة، فخلقهن في ستة أيام تعليما لخلقه التثبت والتأني في الأمور....".وهو فهم دقيق وجليل، فتأمله!
[23980]:جامع البيان 15/58.
[23981]:جامع البيان 15/58، وفي الأصل: عبد الله بن عمر. وهو تحريف.
[23982]:في الأصل: إلا ندا، وليس بشيء. وفي جامع البيان 12/497:"...كالبلدة السبخة المالحة التي يخرج منها النز....". والنز، بفتح النون وكسرها، ما يتحلب من الأرض من الماء. المختار /نز.
[23983]:في الأصل: شكل، وهو تحريف.
[23984]:انظر: جامع البيان 12/497.
[23985]:في ج: يخرج.
[23986]:زيادة من ج.
[23987]:لم أجده بهذا اللفظ. وانظر: بلفظ آخر في جامع البيان 12/497، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1503، والدر المنثور 3/478.
[23988]:لم أجده فيما لدي من مصادر.
[23989]:زيادة من ج.
[23990]:زيادة من ج.
[23991]:لم أجده فيما لدي من مصادر.