صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف  
{إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ يُغۡشِي ٱلَّيۡلَ ٱلنَّهَارَ يَطۡلُبُهُۥ حَثِيثٗا وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَ وَٱلنُّجُومَ مُسَخَّرَٰتِۭ بِأَمۡرِهِۦٓۗ أَلَا لَهُ ٱلۡخَلۡقُ وَٱلۡأَمۡرُۗ تَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (54)

{ خلق السماوات والأرض في ستة أيام } أنشأهم غير مثال سابق ، وأنشأ ما بينهما كذلك في مقدار ستة أيام من أيام الدنيا . أو في ستة أيام ، وكل يوم مقداره ألف سنة من السنين التي نعدها . قال سعيد بن جبير : كان الله قادرا على خلق السماوات والأرض-أي وما بينهما- في لمحة ولحظة ، فخلقن في ستة أيام ، تعليما لخلقه التثبت والتأني في الأمور . { ثم استوى على العرش } عرش الله تعالى –كما قال الراغب- : مما لا يعلمه البشر إلا بالاسم ، وليس كما تذهب إليه أوهام العامة ، فإنه لو كان كذلك لكان حاملا له-تعالى عن ذلك-لا محمولا ، والله تعالى يقول : { إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده }{[159]} . وقد ذكر العرش في إحدى وعشرين آية . أما الاستواء على العرش فذهب سلف الأمة-ومنهم الأئمة الأربعة- إلى أنه صفة لله تعالى بلا كيف ولا انحصار ولا تشبيه وتمثيل ، لاستحالة اتصافه تعالى بصفات المحدثين ، ولوجوب تنزيهه تعالى عما لا يليق به{ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } وأنه يجب الإيمان بها كما وردت ، وتفويض العلم بحقيقتها إليه تعالى . وقال الإمام الرازي : إن هذا المذهب هو الذي نختاره ونقول به ونعتمد عليه . وذهب جمهور المتكلمين إلى وجوب صرفه عن ظاهره لاستحالته . وإلى تأويله على التفصيل ، وأن المراد منه-كما قال الإمام القفال - أنه استقام ملكه ، واطرد أمره ، ونفذ حكمه تعالى في مخلوقاته ، والله تعالى دل على ذاته وصفاته وكيفية تدبيره للعالم على الوجه الذي ألفوه من ملوكهم ، واستقر في قلوبهم ، تنبيها على عظمته وكمال قدرته ، وذلك مشروط بنفى التشبيه ، ويشهد بذلك قوله تعالى : { ثم استوى على العرش يدبر الأمر } {[160]} . ( راجع المسألة الرابعة من المقدمة ص8 ) وقد ذكر الاستواء على العرش في سبع آيات من القرآن .

{ يغشى الليل النهار } التغشية : التغطية والستر . أي يجعل الليل غاشيا للنهار مغطيا له فيذهب بنوره ، وهكذا دواليك في كل ليل ونهار ، وبتعاقب الأمثال يستمر الاستبدال ، فيتغير كل واحد منهما بالآخر ، فكما يغطى النهار بالليل يغطى الليل بالنهار ، وفي ذلك من منافع الخلق ما فيه وبه تتم الحياة ، وهو دليل القدرة والحكمة والتدبير من الإله العلي العظيم . { يطلبه حثيثا } يطلب الليل النهار طلبا سريعا حتى يلحقه ويدركه . وهو كناية عن أن أحدهما يأتي عقب الآخر ويخلفه بلا فاصل ، فكأنه يطلبه طلبا سريعا لا يفتر عنه حتى يلحقه . والحث على الشيء : الحض عليه . يقال : حث الفرس على العدو يحثه حثا ، صاح به أو ووكزه برجل أو ضرب وذهب حثيثا أي مسرعا .

{ له الخلق والأمر } الخلق : إيجاد الأشياء من العدم . والأمر : التدبير والتصرف على حسب الإرادة لما خلقه . فهو سبحانه الخالق والمدبر للعالم على حسب إرادته وحكمته ، لا شريك له في ذلك .

{ تبارك الله رب العالمين }كثر خيره وإحسانه ، من البركة بمعنى الكثرة من كل خير . وأصلها : النماء والزيادة . أو ثبت ودام كما لم يزل ولا يزال ، من البركة بمعنى الثبوت . يقال : برك البعير ، إذا أناخ في موضعه فلزمه وثبت فيه . وكل شيء ثبت ودام فقد برك . أو تعالى وتعظم وارتفع . أو تقدس وتنزه عن كل نقص .


[159]:: آية 41 فاطر
[160]:آية 3 يونس