معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَإِذَا فَرَغۡتَ فَٱنصَبۡ} (7)

{ فإذا فرغت فانصب } أي فاتعب ، والنصب : التعب ، قال ابن عباس ، وقتادة ، والضحاك ، ومقاتل ، والكلبي : فإذا فرغت من الصلاة المكتوبة فانصب إلى ربك في الدعاء وارغب إليه في المسألة يعطك . وروى عبد الوهاب عن مجاهد عن أبيه قال : إذا صليت فاجتهد في الدعاء والمسألة . وقال ابن مسعود : إذا فرغت من الفرائض فانصب في قيام الليل . وقال الشعبي : إذا فرغت من التشهد فادع لدنياك وآخرتك . وقال الحسن وزيد بن أسلم : إذا فرغت من جهاد عدوك فانصب في عبادة ربك . وقال منصور عن مجاهد : إذا فرغت من أمر الدنيا فانصب في عبادة ربك وصل . وقال حيان عن الكلبي : إذا فرغت من تبليغ الرسالة فانصب ، أي : استغفر لذنبك وللمؤمنين .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَإِذَا فَرَغۡتَ فَٱنصَبۡ} (7)

وقوله : { فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ } أي : إذا فَرغت من أمور الدنيا وأشغالها وقطعت علائقها ، فانصب في العبادة ، وقم إليها نشيطا فارغ البال ، وأخلص لربك النية والرغبة . ومن هذا القبيل قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته : " لا صلاة بحضرة طعام ، ولا وهو يدافعه الأخبثان " {[30227]} وقوله صلى الله عليه وسلم : " إذا أقيمت الصلاة وحضر العشاء ، فابدءوا بالعَشَاء " {[30228]} .

قال مجاهد في هذه الآية : إذا فرغت من أمر الدنيا فقمت إلى الصلاة ، فانصب لربك ، وفي رواية عنه : إذا قمت إلى الصلاة فانصب في حاجتك ، وعن ابن مسعود : إذا فرغت من الفرائض فانصب في قيام الليل . وعن ابن عياض نحوه . وفي رواية عن ابن مسعود : { فَانْصَبْ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ } بعد فراغك من الصلاة وأنت جالس .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ } يعني : في الدعاء .

وقال زيد بن أسلم ، والضحاك : { فَإِذَا فَرَغْتَ } أي : من الجهاد { فَانْصَبْ } أي : في العبادة . { وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ } قال الثوري : اجعل نيتك ورغبتك إلى الله ، عز وجل .


[30227]:- (1) رواه مسلم في صحيحه برقم (560) من حديث عائشة، رضي الله عنها.
[30228]:- (2) رواه البخاري في صحيحه برقم (5465) من حديث عائشة، رضي الله عنها.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَإِذَا فَرَغۡتَ فَٱنصَبۡ} (7)

فإذا فرغت من التبليغ فانصب فاتعب في العبادة شكرا لما عددنا عليك من النعم السالفة ، ووعدناك من النعم الآتية . وقيل : إذا فرغت من الغزو فانصب في العبادة ، أو فإذا فرغت من الصلاة فانصب بالدعاء .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَإِذَا فَرَغۡتَ فَٱنصَبۡ} (7)

تفريع على ما تقرر من التذكير باللطف والعناية ووعده وبتيسير ما هو عسير عليه في طاعته التي أعظمها تبليغ الرسالة دون مَلَل ولا ضجر .

والفراغ : خلو باطن الظرف أو الإِناء لأن شأنه أن يظرف فيه .

وفعل فرغ يفيد أن فاعله كان مملوءاً بشيء ، وفراغ الإِنسان . مجاز في إتمامه ما شأنه أن يعمله .

ولم يذكر هنا متعلق { فرغت } وسياق الكلام يقتضي أنه لازم أعمال يعلمها الرسول صلى الله عليه وسلم كما أن مساق السورة في تيسير مصاعب الدعوة وما يحف بها . فالمعنى إذا أتممت عملاً من مهام الأعمال فأقبل على عمل آخر بحيث يعمر أوقاته كلها بالأعمال العظيمة . ومن هنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند قفوله من إحدى غزواته : « رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر » فالمقصود بالأمر هو { فانصب } . وأما قوله : { فإذا فرغت } فتمهيد وإفادة لإِيلاءِ العمل بعملٍ آخر في تقرير الدين ونفع الأمة . وهذا من صيغ الدلالة على تعاقب الأعمال . ومثله قول القائل : ما تأتيني من فلان صلة إلا أعقبْتها أخرى .

واختلفت أقوال المفسرين من السلف في تعيين المفروغ منه ، وإنما هو اختلاف في الأمثلة فحذفُ المتعلِق هنا لقصد العموم وهو عموم عرفي لنوع من الأعمال التي دل عليها السياق ليشمل كل متعلق عمله مما هو مهم كما علمت وهو أعلم بتقديم بعض الأعمال على بعض إذا لم يمكن اجتماع كثير منها بقدر الإِمكان كما أقر الله بأداء الصلاة مع الشغل بالجهاد بقوله : { وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك } إلى قوله : { كتاباً موقوتاً } في سورة النساء ( 102 ، 103 ) .

وهذا الحكم ينسحب على كل عمل ممكن من أعماله الخاصة به مثل قيام الليل والجهاد عند تقوي المسلمين وتدبير أمور الأمة .

وتقديم { فإذا فرغت } على { فانصب } للاهتمام بتعليق العمل بوقت الفراغ من غيره لتتعاقب الأعمال . وهذه الآية من جوامع الكلم القرآنية لما احتوت عليه من كثرة المعاني .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{فَإِذَا فَرَغۡتَ فَٱنصَبۡ} (7)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

قوله : "فَإذَا فَرَغْتَ فانْصَبْ" اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ؛ فقال بعضهم : معناه : فإذا فرغت من صلاتك ، فانصب إلى ربك في الدعاء ، وسله حاجاتك ...

وقال آخرون : بل معنى ذلك : فَإذَا فَرَغْتَ من جهاد عدوّك فانْصَبْ في عبادة ربك ...

وقال آخرون : بل معنى ذلك : فإذا فرغت من أمر دنياك ، فانصب في عبادة ربك ...

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ، قول من قال : إن الله تعالى ذكره ، أمر نبيه أن يجعل فراغه من كلّ ما كان به مشتغلاً ، من أمر دنياه وآخرته ، مما أدّى له الشغل به ، وأمره بالشغل به إلى النصب في عبادته ، والاشتغال فيما قرّبه إليه ، ومسألته حاجاته ، ولم يخصُصْ بذلك حالاً من أحوال فراغه دون حال ، فسواء كلّ أحوال فراغه ، من صلاة كان فراغه ، أو جهاد ، أو أمر دنيا كان به مشتغلاً ، لعموم الشرط في ذلك ، من غير خصوص حال فراغ ، دون حال أخرى .

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

... يحتمل عندنا: إذا فرغت من تبليغ الرسالة إليهم فانصب لعبادة ربك والأمور التي بينك وبين ربك على ما ذكرنا في أحد التأويلين في قوله : { إن لك في النهار سبحا طويلا } ( المزمل : 7 ) في أمر الرسالة والتبليغ ( أي ذكر ) اسم ربك في ما بينك وبين ربك .

ويجب ألا نتكلف تفسير ما ذكر في هذه السورة من أولها إلى آخرها ، لأنه أمر بينه وبين ربه . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم ما أراد به في ما خاطبه من الجميع وأنه في ما كان . وقد كان خصوصا له ، وليس شيء مما يجب علينا العمل به حين يلزمنا التكلف لاستخراج ذلك سوى الشهادة على الله ، فكان الإمساك عنه أولى ، وترك التكلف فيه والاشتغال به أرفق وأسلم . والله الموفق . ...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

فإن قلت : فكيف تعلق قوله : { فَإِذَا فَرَغْتَ فانصب } بما قبله ؟ قلت : لما عدد عليه نعمه السالفة ووعده الآنفة ، بعثه على الشكر والاجتهاد في العبادة والنصب فيها ، وأن يواصل بين بعضها وبعض ، ويتابع ويحرص على أن لا يخلي وقتاً من أوقاته منها ، فإذا فرغ من عبادة ذنبها بأخرى ... وقعود الرجل فارغاً من غير شغل أو اشتغاله بما لا يعينه في دينه أو دنياه من سفه الرأي وسخافة العقل واستيلاء الغفلة ، ولقد قال عمر رضي الله عنه : إني لأكره أن أرى أحدكم فارغاً سبهللاً لا في عمل دنيا ولا في عمل آخرة .

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ثم يجيء التوجيه الكريم لمواقع التيسير ، وأسباب الانشراح ، ومستودع الري والزاد في الطريق الشاق الطويل : ( فإذا فرغت فانصب . وإلى ربك فارغب ) . .

إن مع العسر يسرا . . فخذ في أسباب اليسر والتيسير . فإذا فرغت من شغلك مع الناس ومع الأرض ، ومع شواغل الحياة . . إذا فرغت من هذا كله فتوجه بقلبك كله إذن إلى ما يستحق أن تنصب فيه وتكد وتجهد . . العبادة والتجرد والتطلع والتوجه . .

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

وفعل فرغ يفيد أن فاعله كان مملوءاً بشيء ، وفراغ الإِنسان . مجاز في إتمامه ما شأنه أن يعمله . ولم يذكر هنا متعلق { فرغت } وسياق الكلام يقتضي أنه لازم أعمال يعلمها الرسول صلى الله عليه وسلم كما أن مساق السورة في تيسير مصاعب الدعوة وما يحف بها . فالمعنى إذا أتممت عملاً من مهام الأعمال، فأقبل على عمل آخر بحيث يعمر أوقاته كلها بالأعمال العظيمة ... فالمقصود بالأمر هو { فانصب } . وأما قوله : { فإذا فرغت } فتمهيد وإفادة لإِيلاءِ العمل بعملٍ آخر في تقرير الدين ونفع الأمة . وهذا من صيغ الدلالة على تعاقب الأعمال ... وهذا الحكم ينسحب على كل عمل ممكن من أعماله الخاصة به مثل قيام الليل والجهاد عند تقوي المسلمين وتدبير أمور الأمة ....

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

أي إذا انتهيت من أداء أمر مهم فابدأ بمهمّة أخرى ، فلا مجال للبطالة والعطل . كن دائماً في سعي مستمر ومجاهدة دائمة ، واجعل نهاية أية مهمّة بداية لمهمّة آخري .