معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قُمِ ٱلَّيۡلَ إِلَّا قَلِيلٗا} (2)

{ قم الليل } أي للصلاة ، { إلا قليلاً } وكان قيام الليل فريضة في الابتداء .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قُمِ ٱلَّيۡلَ إِلَّا قَلِيلٗا} (2)

يأمر تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يترك التزمل ، وهو : التغطي في الليل ، وينهض إلى القيام لربه عز وجل ، كما قال تعالى : { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } [ السجدة : 16 ] وكذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ممتثلا ما أمره الله تعالى به من قيام الليل ، وقد كان واجبًا عليه وحده ، كما قال تعالى : { وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا } [ الإسراء : 79 ] وهاهنا بين له مقدار ما يقوم ، فقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا } ء

قال ابن عباس ، والضحاك ، والسدي : { يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ } يعني : يا أيها النائم . وقال قتادة : المزمل في ثيابه ، وقال إبراهيم النخعي : نزلت وهو متزمل بقطيفة .

وقال شبيب بن بِشر ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : { يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ } قال : يا محمد ، زُمّلتَ القرآن .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قُمِ ٱلَّيۡلَ إِلَّا قَلِيلٗا} (2)

قم الليل أي قم إلى الصلاة أو داوم عليها فيه وقرئ بضم الميم وفتحها للاتباع أو التخفيف إلا قليلا .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قُمِ ٱلَّيۡلَ إِلَّا قَلِيلٗا} (2)

وفعل { قم } مُنزل منزلة اللازم فلا يحتاج إلى تقدير متعلق لأن القيام مراد به الصلاة ، فهذا قيام مغاير للقيام المأمور به في سورة المدثر بقوله { قم فأنذر } [ المدثر : 2 ] فإن ذلك بمعنى الشروع كما يأتي هنالك .

و { الليل } : زمن الظلمة من بعد العشاء إلى الفجر . وانتصب { الليل } على الظرفية فاقتضى الأمر بالصلاة في جميع وقت الليل ، ويعلم استثناء أوقات قضاء الضرورات من إغفاء بالنوم ونحوه من ضرورات الإِنسان .

وقيام الليل لقب في اصطلاح القرآن والسنة للصلاة فيه ما عدا صلاتي المغرب والعشاء ورواتبهما .

وأمْر الرسول بقيام الليل أمْر إيجاب وهو خاص به لأن الخطاب موجه إليه وحده مثل السور التي سبقت نزولَ هذه السورة ، وأما قيام الليل للمسلمين فهم اقتدوا فيه بالرسول صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في قوله تعالى : { إن ربك يعلم أنك تقوم } إلى قوله : { وطائفة من الذين معك } [ المزمل : 20 ] الآيات قال الجمهور وذلك قبل أن تفرض الصلوات الخمس في أوقات النهار والليل ولعل حكمة هذا القيام الذي فرض على الرسول صلى الله عليه وسلم في صدر رسالته هو أن تزداد به سريرته زكاء يقوي استعداده لتلقي الوحي حتى لا يحرجه الوحي كما ضغطه عند نزوله كما ورد في حديث البخاري : " فغطني حتى بلغ مني الجَهد " ثم قال : { اقرأ باسم ربّك } [ العلق : 1 ] الحديث ، ويدل لهذه الحكمة قوله تعالى عقبه : { إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً } [ المزمل : 5 ] .

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحنث في غار حراء قبيل بعثته بإلهام من الله تعالى ، فالذي ألهمه ذلك قبل أن يوحي إليه يجدر بأن يأمره به بعد أن أوحى إليه فلا يبقى فترة من الزمن غير متعبد لعبادة ، ولهذا نرجح أن قيام الليل فرض عليه قبل فرض الصلوات الخمس عليه وعلى الأمة .

وقد استمر وجوب قيام الليل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فرض الصلوات الخمس تعظيماً لشأنه بكثرة الإِقبال على مناجاة ربه في وقت فراغه من تبليغ الوحي وتدبير شؤون المسلمين وهو وقت الليل كما يدل عليه قوله تعالى : { ومن الليل فتهجّد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً } ، أي زيادة قرب لك وقد تقدم في سورة [ الإسراء : 79 ] . فكان هذا حكماً خاصاً بالنبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكره الفقهاء في باب خصائص النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن واجباً على غيره ولم تفرض على المسلمين صلاة قبل الصلوات الخمس . وإنما كان المسلمون يقتدون بفعل النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرّهم على ذلك فكانوا يرونه لِزاماً عليهم ، وقد أثنى الله عليهم بذلك في آيات كثيرة كقوله تعالى : { تتجافى جنوبُهم عن المضاجع } [ السجدة : 16 ] ، وسيأتي ذلك عند قوله تعالى : { إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل } [ المزمل : 20 ] الآية ، قالت عائشة : « إن الله افترض قيام الليل في أول هذه السورة فقام النبي وأصحابه » ، على أنه لا خلاف في رفع فرض القيام عن المسلمين . وتقرر أنه مندوب فيه . واختلف في استمرار وجوبه على النبي صلى الله عليه وسلم ولا طائل وراء الاستدلال على ذلك أو عدمه .

وقوله : { إلاّ قليلاً } استثناء من { الليل } أي إلاّ قليلاً منه ، فلم يتعلق إيجاب القيام عليه بأوقات الليل كلها .