معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمۡ يَلۡبِسُوٓاْ إِيمَٰنَهُم بِظُلۡمٍ أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمُ ٱلۡأَمۡنُ وَهُم مُّهۡتَدُونَ} (82)

قوله تعالى : { الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم } ، لم يخلطوا إيمانهم بشرك .

قوله تعالى : { أولئك لهم الأمن وهم مهتدون } .

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، ثنا محمد بن إسماعيل ، ثنا إسحاق ، ثنا عيسى بن يونس ، أنا الأعمش ، أنا إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله قال : لما نزلت : { الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم } شق ذلك على المسلمين فقالوا : يا رسول الله فأينا لا يظلم نفسه ؟ فقال : ( ليس ذلك ، إنما هو الشرك ، ألم تسمعوا إلى ما قال لقمان لابنه وهو يعظه : { يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم } ؟ [ لقمان :13 ] .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمۡ يَلۡبِسُوٓاْ إِيمَٰنَهُم بِظُلۡمٍ أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمُ ٱلۡأَمۡنُ وَهُم مُّهۡتَدُونَ} (82)

قال الله تعالى : { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ } أي : هؤلاء الذين أخلصوا العبادة لله وحده لا شريك ، له ، ولم يشركوا به شيئا هم الآمنون يوم القيامة ، المهتدون في الدنيا والآخرة .

قال البخاري : حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا ابن أبي عَدِيّ ، عن شعبة ، عن سليمان ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله قال : لما نزلت { وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ } قال أصحابه : وأينا لم يظلم نفسه ؟ فنزلت : { إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } [ لقمان : 13 ]{[10928]}

وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن إبراهيم ، عن عَلْقَمَة ، عن عبد الله قال : لما نزلت هذه الآية : { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ } شق ذلك على الناس{[10929]} وقالوا : يا رسول الله ، فأينا لا يظلم نفسه ؟{[10930]} قال : " إنه ليس الذي تعنون ! ألم تسمعوا{[10931]} ما قال العبد الصالح : { يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } إنما هو الشرك " {[10932]}

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا وكيع وابن إدريس ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله قال : لما نزلت : { وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ } شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالوا : وأينا لم يظلم نفسه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس كما تظنون ، إنما قال [ لقمان ]{[10933]} لابنه : { يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ }{[10934]}

وحدثنا عمر بن شَبَّةَ النمري ، حدثنا أبو أحمد ، حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : { وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ } قال : " بشرك " .

قال : ورُوي عن أبي بكر الصديق ، وعمر ، وأُبيّ بن كعب ، وسلمان ، وحذيفة ، وابن عباس ، وابن عمر ، وعمرو بن شرحبيل ، وأبي عبد الرحمن السُّلَمِي ، ومجاهد ، وعِكْرِمة ، والنَّخَعِي ، والضحاك ، وقتادة ، والسُّدِّي نحو ذلك .

وقال ابن مَرْدُوَيه : حدثنا الشافعي ، حدثنا محمد بن شَدَّاد المِسْمَعِيّ ، حدثنا أبو عاصم ، حدثنا سفيان الثوري ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله قال : لما نزلت : { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قيل لي : أنت منهم " {[10935]}

وقال الإمام أحمد : حدثنا إسحاق بن يوسف ، حدثنا أبو جَناب ، عن زاذان ، عن جرير بن عبد الله قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم : فلما برزنا من المدينة ، إذا راكب يوضع نحونا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كأن هذا الراكب إياكم يريد " . فانتهى إلينا الرجل ، فسلم فرددنا عليه{[10936]} فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " من أين أقبلت ؟ " قال : من أهلي وولدي وعشيرتي . قال : " فأين تريد ؟ " ، قال : أريدُ رسول الله . قال : " فقد أصبته " . قال : يا رسول الله ، علمني ما الإيمان ؟ قال : " تشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدًا رسول الله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت " . قال : قد أقررت . قال : ثم إن بعيره دخلت يده في جحر جُرْذَان ، فهوى بعيره وهوى الرجل ، فوقع على هامته فمات ، فقال النبي{[10937]} صلى الله عليه وسلم : " علي بالرجل " . فوثب إليه عمار بن ياسر وحذيفة بن اليمان فأقعداه ، فقالا يا رسول الله ، قبض الرجل ! قال : فأعرض عنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما رأيتما إعراضي عن الرجل ، فإني رأيت ملكين يدسان في فيه من ثمار الجنة ، فعلمت أنه مات جائعا " ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هذا من الذين قال الله ، عَزَّ وجل : { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ }{[10938]} ثم قال : " دونكم أخاكم " . قال : فاحتملناه إلى الماء فغسلناه وحنطناه وكفناه ، وحملناه إلى القبر ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جلس على شَفِير القبر فقال : " الحدوا ولا تشقوا ، فإن اللحد لنا والشق لغيرنا " {[10939]}

ثم رواه أحمد عن أسود بن عامر ، عن عبد الحميد بن جعفر الفراء ، عن ثابت ، عن زاذان ، عن جرير بن عبد الله ، فذكر نحوه ، وقال فيه : " هذا ممن عَمل قليلا وأجر كثيرًا " {[10940]}

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا يوسف بن موسى القطان ، حدثنا مِهْران بن أبي عمر ، حدثنا علي بن عبد الأعلى{[10941]} عن أبيه ، عن سعيد بن جُبَيْر ، عن ابن عباس قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير{[10942]} ساره ، إذ عرض له أعرابي فقال : يا رسول الله ، والذي بعثك بالحق ، لقد خرجت من بلادي وتلادي ومالي لأهتدي بهداك ، وآخذ من قولك ، وما بلغتك حتى ما لي طعام إلا من خَضِر الأرض ، فاعْرِضْ عَلَيّ . فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقبل فازدحمنا حوله ، فدخل خف بَكْره في بيت جُرْذَان ، فتردى الأعرابي ، فانكسرت عنقه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : صدق والذي بعثني بالحق ، لقد خرج من بلاده وتلاده وماله ليهتدي بهداي ويأخذ من قولي ، وما بلغني حتى ما له طعام إلا من خضر الأرض ، أسمعتم بالذي عمل قليلا وأجر كثيرا هذا منهم ! أسمعتم بالذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون ؟ فإن هذا منهم " {[10943]} [ وروى ابن مَرْدُوَيه من حديث محمد ابن معلى - وكان نزل الري - حدثنا زياد بن خيثمة عن أبي داود عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أعطي فشكر ومنع فصبر وظلم فاستغفر وظلم فغفر " وسكت ، قالوا : يا رسول الله ما له ؟ قال " : { أُولَئِكَ لَهُمُ الأمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ } ]{[10944]}


[10928]:صحيح البخاري برقم (4629).
[10929]:في م: "المسلمين".
[10930]:في أ: "أينا لم يظلم نفسه".
[10931]:في أ: "تسمعوا إلى".
[10932]:المسند (1/378).
[10933]:زيادة من م.
[10934]:ورواه البخاري في صحيحه برقم (6937) من طريق وكيع بنحوه.
[10935]:وفي إسناده محمد بن شداد المسمعي، قال الدارقطني: لا يكتب حديثه، وقال مرة: ضعيف، وضعفه البرقاني.
[10936]:في م: "عليه السلام".
[10937]:في أ: "رسول الله".
[10938]:في م، أ: (بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون).
[10939]:المسند (4/359) وقال الهيثمي في المجمع (1/42): "في إسناده أبو جناب وهو مدلس وقد عنعنه".
[10940]:المسند (4/359) وقد تابع ثابت أبا جناب، لكنه اختلف عليه فيه، فرواه الطبراني في المعجم الكبير (2/319) من طريق عبيد الله ابن موسى عن ثابت عن أبي اليقظان عن زاذان عن جرير به.
[10941]:في أ: "عبد الله".
[10942]:في م: "في سير ".
[10943]:ورواه الحكيم الترمذي كما في الدر المنثور (3/309).
[10944]:زيادة من م، أ.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمۡ يَلۡبِسُوٓاْ إِيمَٰنَهُم بِظُلۡمٍ أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمُ ٱلۡأَمۡنُ وَهُم مُّهۡتَدُونَ} (82)

{ الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون } استئناف منه أو من الله بالجواب عما استفهم عنه والمراد بالظلم ها هنا الشرك لما روي أو أن الآية لما نزلت شق ذلك على الصحابة وقالوا : أينا لم يظلم نفسه فقال عليه الصلاة والسلام " ليس ما تظنون إنما هو ما قال لقمان لابنه { يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم } " وليس الإيمان به أن يصدق بوجود الصانع الحكيم ويخلط بهذا التصديق الإشراك به . وقيل المعصية .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمۡ يَلۡبِسُوٓاْ إِيمَٰنَهُم بِظُلۡمٍ أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمُ ٱلۡأَمۡنُ وَهُم مُّهۡتَدُونَ} (82)

وقوله تعالى : { الذين آمنوا } الآية ، { الذين } رفع بالابتداء ، و { يلبسوا } معناه يخلطوا ، و «الظلم » في هذه الآية الشرك ، تظاهرت بذلك الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وعن جماعة من الصحابة أنه لما نزلت هذه الآية أشفق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا : أيّنا لم يظلم نفسه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«إنما ذلك كما قال لقمان : إن الشرك لظلم عظيم »{[4994]} وروي أن عمر بن الخطاب قرأ في المصحف فلما أتى عليها عظمت عليه ، فلبس رداءه ومر إلى أبي بن كعب ، فقال : يا أبا المنذر وسأله عنها ، فقال له إنه الشرك يا أمير المؤمنين ، فسري عن عمر{[4995]} ، وجرى لزيد بن صوحان{[4996]} مع سلمان نحو مما جرى لعمر مع أبي بن كعب رضي الله عنهم ، وقرأ مجاهد ، «ولم يلبسوا إيمانهم بشرك » وقرأ عكرمة «يُلبسوا » بضم الياء ، و { الأمن } رفع بالابتداء وخبره في المجرور والجملة خبر { أولئك } ، { وهم مهتدون } أي راشدون ، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : المراد بهذه الآية إبراهيم خاصة ، وقال عكرمة : نزلت في مهاجري أصحاب محمد عليه السلام خاصة ، وقالت فرقة : هي من قول إبراهيم لقومه فهي من الحجة التي أوتيها ، وقال ابن جريج هي من قول قوم إبراهيم ويجيء هذا من الحجة أيضاً أن أقروا بالحق وهم قد ظلموا في الإشراك ، وقال ابن إسحاق وابن زيد وغيرهما : بل ذلك قول من الله عز وجل ابتداء حكم فصل عام لوقت محاجة إبراهيم وغيره ، ولكل مؤمن تقدم أو تأخر .

قال القاضي أبو محمد : وهذا هو البين الفصيح الذي يرتبط به معنى الآية ويحسن رصفها .


[4994]:- قال القرطبي: وفي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه: ثم ذكر الحديث وفي (الدر المنثور 3/ 26-27): أخرجه أحمد، والبخاري، ومسلم، والترمذي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والدارقطني في الإفراد، وأبو الشيخ، وابن مردويه- عن عبد الله بن مسعود. ولفظه كما رواه: (قال: لما نزلت هذه الآية {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم} شق ذلك على الناس فقالوا: يا رسول الله، وأينا لا يظلم نفسه؟ قال: إنه ليس الذي تعنون، ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح: (إن الشرك لظلم عظيم) إنما هو الشرك.
[4995]:- أخرجه ابن المنذر، والحاكم، وابن مردويه- عن ابن عباس رضي الله عنهما. (الدر المنثور 3/ 27).
[4996]:- هو زيد بن صوحان بن حجر بن الحارث، أبو سليمان. أسلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم. (التاج).