اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمۡ يَلۡبِسُوٓاْ إِيمَٰنَهُم بِظُلۡمٍ أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمُ ٱلۡأَمۡنُ وَهُم مُّهۡتَدُونَ} (82)

قوله : " الَّذِينَ آمَنُوا " هل هو من كلام إبراهيم ، أو من كلام قومه ، أو من كلام اللَّهِ تعالى ؟ ثلاثة أقوالٍ ، وعليها يَتَرتَّبُ الإعرابُ .

فإن قلنا : إنها من كلام إبراهيم كانت جواباً عن السؤال في قوله " فأيُّ الفَريقَيْنِ " .

وكذا إن قلنا : إنها كلام قومه ، وأنهم أجابوا بما هو حُجَّة عليهم كأن الموصول خبر مبتدأ محذوف ؛ أي : هم الذين آمنوا ، وإن جعلناه من كلام الل‍َّهِ تعالى ، وأنَّهُ أمَرَ نَبِيَّهُ بأن يجيب به السُّؤال المتقدم ، فكذلك أيضاً .

وإن جعلناه لِمُجَرَّدِ الإخبار من الباري - تعالى – كان الموصول مبتدأ ، وفي خبره أوجه :

أحدها : أنه الجملة بعده ، فإن " أولئك " ، و " أولئك " مبتدأ ثانٍ ، و " الأمن " مبتدأ ثالث ، و " لهم " خبره ، والجملةُ خَبَرُ " أولئك " ، و " أولئك " وخبره خبر الأوَّلِ .

الثاني : أن يكون " أولئك " بَدَلاً أو عطف بَيَان ، و " لهم " خبر الموصول ، و " الأمن " فاعلٌ به لاعتماده .

الثالث : كذلك ، إلا أنَّ " لهم " خبرٌ مقدَّم ، و " الأمن " مبتدأ مؤخر ، والجُمْلَةُ خبر الموصُول .

الرابع : أن يكون " أولئك " مبتدأ ثانياً ، و " لهم " خبره ، و " الأمن " فاعل به ، والجملةُ خبر الموصول .

الخامس : وإليه ذهب أبو جَعْفَرٍ النحاسُ ، والحوفي أن " لهم الأمن " خبر الموصول ، وأن " أولئك " فَاصِلَةٌ ، وهو غريب ؛ لأن الفَصْلَ من شَأنِ الضمائر لا من شَأنِ أسماء الإشارة .

وأمَّا على قولنا بأن " الذين " خبر مبتدأ محذوف ، فيكون " أولئك " مبتدأ فقط ، وخبره الجملة بعده ، أو الجار وَحْدَهُ ، و " الأمْن " فاعل به ، والجملة الأولى على هذا مَنْصُوبةٌ بقولٍ مُضْمَرٍ ، أي : قُلْ لهم الذين آمنوا إن كانت من كلام الخليل ، أو قالوا هم الذين إن كانت من كلام قومه .

قوله : " وَلَمْ يَلْبِسُوا " يجوز فيه وجهان :

أحدهما : أنها مَعْطُوفَةٌ على الصِّلةِ ، فلا مَحلَّ لها حينئذٍ .

والثاني : أن تكون الواو للحال ، الجملة بعدها في محلِّ نصبٍ على الحال ، أي : آمنوا غير مُلْبسينَ بِظُلْم .

وهو كقوله تعالى : { أَنَّى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ } [ مريم :20 ] ، ولا يُلْتَفَتُ إلى قول ابن عصفور ، حيث جعل وقوع الجُمْلَةِ المنفية حالاً قليلاً ، ولا إلى قَوْلِ ابن خَرُوفٍ ، حيث جعل الواو واجِبَة الدخول على هذه الجملة ، وإن كان فيها ضَمِيرٌ يعود على الحالِ .

والجمهور{[14393]} على " يَلْبِسُوا " بفتح الياء بمعنى " يخلطونه " .

وقرأ{[14394]} عكرمةُ بضمها من الإلْبَاسِ . " وهُمْ مُهْتَدُونَ " يجوز اسْتِئْنَافُهَا وحاليتها .

فصل في تفسير الآية

روى عَلْقَمَةُ عن عَبْدِ اللَّهِ قال : لما نزلت { الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ } شقَّ ذلك على المُسلمينَ ، فقالوا : يا رسول اللَّهِ ، فأيُّنَا لا يَظْلِمُ نفسه ، فقال : لَيْسَ ذلِكَ ، إنَّمَا هُوَ الشِّرْكُ ، ألَمْ تَسْمَعُوا إلى ما قال لُقْمان لابنه : { يَا بُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ }{[14395]} [ لقمان :13 ] .


[14393]:ينظر: الدر المصون 3/163، البحر المحيط 4/176.
[14394]:ينظر: الدر المصون 3/113، البحر المحيط 4/176.
[14395]:أخرجه البخاري 1/109 كتاب الإيمان: باب ظلم دون ظلم (32) وفي 6/48 كتاب أحاديث الأنبياء: باب قول الله تعالى: {واتخذ الله إبراهيم خليلا} (3360) وفي 6/537 (3428)، (3429).