قوله : { ولا نكلف نفساً إلا وسعها } أي : طاقتها ، فمن لم يستطع القيام فليصل قاعداً ، ومن لم يستطع الصوم فليفطر ، { ولدينا كتاب ينطق بالحق } وهو اللوح المحفوظ ، ينطق بالحق يبين بالصدق ، ومعنى الآية : ( لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ) إلا ما أطاقت من العمل ، وقد أثبتنا عمله في اللوح المحفوظ ، فهو ينطق به ويبينه . وقيل : هو كتب أعمال العباد التي تكتبها الحفظة ، { وهم لا يظلمون } ولا ينقص من حسناتهم ولا يزاد على سيئاتهم .
يقول تعالى مخبرًا عن عدله في شرعه على عباده في الدنيا : أنه لا يكلف نفسًا إلا وسعها ، أي : إلا ما تطيق حمله والقيام به ، وأنه يوم القيامة يحاسبهم بأعمالهم التي كتبها عليهم في كتاب مسطور لا يضيع منه شيء ؛ ولهذا قال : { وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ } يعني : كتاب الأعمال ، { وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ } أي : لا يبخسون من الخير شيئا ، وأما السيئات فيعفو ويصفح عن كثير منها لعباده المؤمنين .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَلاَ نُكَلّفُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقّ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } .
يقول تعالى ذكره : ولا نكلف نفسا إلاّ ما يَسَعها ويصلح لها من العبادة ولذلك كلّفناها ما كلفناها من معرفة وحدانية الله ، وشرعنا لها ما شرعنا من الشرائع . وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بالحَقّ يقول : وعندنا كتاب أعمال الخلق بما عملوا من خير وشرّ يَنْطِقُ بِالْحَقّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ يقول : يبين بالصدق عما عملوا من عمل في الدنيا ، لا زيادة عليه ولا نقصان ، ونحن موفو جميعهم أجورهم ، المحسن منهم بإحسانه والمسيء بإساءته . وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ يقول : وهم لا يظلمون ، بأن يزاد على سيئات المسيء منهم ما لم يعمله فيعاقب على غير جُرْمه ، وينقص المحسن عما عمل من إحسانه فينقص عما له من الثواب .
قوله تعالى : { ولا نكلف نفساً إلا وسعها } نسخ لجميع ما ورد في الشرع من تكليف ما لا يطاق على الحقيقة ، وتكليف ما لا يطاق أربعة أقسام ، ثلاثة حقيقة ورابع مجازي وهو الذي لا يطاق للاشتغال بغيره مثل الإيمان للكافر والطاعة للعاصي وهذا تكليف باق وهو تكليف أكثر الشريعة ، وأما الثلاثة فورد الإثنان منها وفيها وقع النسخ المحال عقلاً في نازلة أبي لهب والمحال عادة في قوله تعالى : { إن تبدوا ما في أنفسكم }{[8510]} [ البقرة : 284 ] ، والثالث لم يرد فيه شيء وهو النوع المهلك لأن الله تعالى لم يكلفه عباده ، فأما قتل القاتل ورجم الزاني فعقوبته بما فعل وقد مضى القول مستوعباً موجزاً في مسألة تكليف ما لا يطاق في سورة البقرة{[8511]} وفي قولنا ناسخ نظر من جهة التواريخ ، وما نزل بالمدينة وما نزل بمكة والله المعين ، وقوله تعالى : { ولدينا كتاب } أظهر ما قيل فيه أنه أراد كتاب إحصاء الأعمال الذي ترفعه الملائكة ، وفي الآية على هذا التأويل تهديد وتأنيس من الحيف والظلم ، وقالت فرقة الإشارة بقوله { ولدينا كتاب } إلى القرآن .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.