السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَلَا نُكَلِّفُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَاۚ وَلَدَيۡنَا كِتَٰبٞ يَنطِقُ بِٱلۡحَقِّ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ} (62)

ولما ذكر تعالى كيفية أعمال المؤمنين المخلصين ذكر أنه تعالى لا يكلف أحداً فوق طاقته بقوله تعالى : { ولا نكلف نفساً إلا وسعها } أي : طاقتها ، فمن لم يستطع أن يصلي الفرض قائماً فليصل قاعداً ، ومن لم يستطع أنّ يصلي قاعداً فليصل مضطجعاً ، ومن لم يستطع أنّ يصوم رمضان فليفطر ؛ لأنّ مبنى المخلوق على العجز { ولدينا } أي : وعندنا { كتاب ينطق بالحق } بما عملته كل نفس ، وهو اللوح المحفوظ تسطر فيه الأعمال ، وقيل : كتب الحفظة ونظيره قوله تعالى : { هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق } [ الجاثية ، 29 ] ، وقوله تعالى : { لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها } [ الكهف ، 49 ] ، فشبه تعالى الكتاب بمن يصدر عنه البيان ، فإن الكتاب لا ينطق لكنه يعرف بما فيه كما يعرف بنطق الناطق إذا كان محقاً فإن قيل : ما فائدة ذلك الكتاب مع أنّ الله تعالى يعلم ذلك إذ لا تخفى عليه خافية ؟ أجيب : بأنّ الله تعالى يفعل ما يشاء ، وقد يكون في ذلك حكمة لا يطلع عليها إلا هو تعالى { وهم } أي : الخلق كلهم { لا يظلمون } أي : لا ينقص من حسناتهم ، ولا يزاد في سيئاتهم .