اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَلَا نُكَلِّفُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَاۚ وَلَدَيۡنَا كِتَٰبٞ يَنطِقُ بِٱلۡحَقِّ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ} (62)

قوله : { وَلاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } الآية ، لمّا ذكر كيفيّة{[33086]} أعمال المؤمنين المخلصين ذكر حكمين{[33087]} من أحكام أعمال العبادة :

الأوّل : قوله : { وَلاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } قال المفضّل{[33088]} : الوسع الطاقة .

وقال مقاتل ، والضحّاك ، والكلبي ، والمعتزلة : هو دون الطاقة ، لأن الوسع إنما سُمي وُسعاً ، لأنه يتسع عليه فعله ، ولا يصعب ولا يضيق ، فبيّن أن أولئك المخلصين لم يكلفوا أكثر مما عملوا . قال مقاتل : من لم يستطع القيام فليصلّ قاعداً ، ومن لم يستطع الجلوس فَلْيومئ إيماء ، ومن لم يستطع الصوم فليفطر{[33089]} .

قوله : { وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بالحق } «يَنْطِقُ » صفة ل «كِتَابٌ » و «بِالحَقِّ » يجوز أن يتعلق ب «يَنْطِق » ، وأن يتعلق بمحذوف حالاً من فاعله . أي : ينطق ملتبساً بالحق ، ونظيره { هذا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بالحق }{[33090]} [ الجاثية : 29 ] . فشبّه الكتاب{[33091]} بمن يصدر عنه البيان ، فإن الكتاب لا ينطق لكنه يعرب بما فيه كما يعرب وينطق الناطق إذا كان مُحِقًّا . فإن قيل : هؤلاء الذين يعرض عليهم ذلك الكتاب ، إما أن يكونوا محيلين الكذب على الله ، أو مجوزين ذلك عليه ، فإن أحالوه عليه ، فإنهم يصدقونه في كل ما يقول سواء وجد الكتاب أو لم يوجد ، وإن جوزوه عليه لم يحصل لهم بذلك الكتاب يقين ، لتجويزهم أنه - سبحانه - كتب فيه خلاف ما حصل ، وعلى التقديرين لا فائدة في ذلك الكتاب . فالجواب : يفعل الله ما يشاء ، وعلى أنه لا يَبْعُد أن يكون ذلك مصلحة للمكلفين من الملائكة{[33092]} .

قوله : { وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } لا ينقص من حسناتهم ، ولا يُزاد على سيئاتهم ونظيره : { وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِراً وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً }{[33093]} [ الكهف : 49 ] .

قالت المعتزلة{[33094]} : الظلم إمّا أن يكون بالزيادة في العقاب أو بالنقصان من الثواب ، أو بأن يعذب على ما لم يعمل أو بأن يكلفهم ( ما لاَ يَطِيقُونَ ){[33095]} فتكون الآية دالة على كون العبد مُوجداً لفعله ، وإلا لكان تعذيبه عليه ظلماً ، ويدلُّ على أنه - سبحانه - لا يكلف ما لا يطاق .

وأجيب بأنه لمّا كلف أبا لهب أن يؤمن ( والإيمان يقتضي تصديق الله في كل ما أخبر به ، ومما أخبر أنّ أبا لهب لا يؤمن ){[33096]} فقد كلّفه ( بأن يؤمن ){[33097]} بأن لا يؤمن فيلزمكم ( كل ما ذكرتموه{[33098]} ){[33099]} .


[33086]:من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي 23/109.
[33087]:في ب: حكمهن. وهو تحريف.
[33088]:في ب: الفضل.
[33089]:آخر ما نقله عن الفخر الرازي 23/109.
[33090]:[الجاثية: 29].
[33091]:من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي 23/109 – 110.
[33092]:آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي 23/109-110.
[33093]:[الكهف: 49].
[33094]:من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي 23/110.
[33095]:ما لا يطيقون: تكملة من الفخر الرازي.
[33096]:ما بين القوسين سقط من الأصل.
[33097]:ما بين القوسين سقط من ب.
[33098]:آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي 23/110.
[33099]:ما بين القوسين تكملة من الفخر الرازي.