معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ طُوبَىٰ لَهُمۡ وَحُسۡنُ مَـَٔابٖ} (29)

قوله تعالى : { الذين آمنوا وعملوا الصالحات } ، ابتداء ، { طوبى لهم } خبره . واختلفوا في تفسير { طوبى } . روي عن ابن عباس رضي الله عنهما : فرح لهم وقرة عين . وقال عكرمة : نعم مالهم . وقال قتادة : حسنى لهم . وقال معمر عن قتادة : هذه كلمة عربية ، يقول الرجل للرجل : طوبى لك أي أصبت خيرا . وقال إبراهيم : خير لهم وكرامة . وقال الفراء : أصله من الطيب ، والواو فيه لضمة الطاء ، وفيه لغتان ، تقول العرب : طوباك وطوبى لك أي : لهم الطيب . { وحسن مآب } أي : حسن المنقلب . قال سعيد بن جبير عن ابن عباس : طوبى اسم الجنة بالحبشية . قال الربيع : هو البستان بلغة الهند . وروي عن أبي أمامة وأبي هريرة أبي الدرداء قالوا : طوبى شجرة في الجنة تظل الجنان كلها . وقال عبيد بن عمير . هي شجرة في جنة عدن أصلها في دار النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي كل دار وغرفة غصن منها لم يخلق الله لونا ولا زهرة إلا وفيها منها إلا السواد ، ولم يخلق الله تعالى فاكهة ولا ثمرة إلا وفيها منها . تنبع من أصلها عينان : الكافور والسلسبيل . قال مقاتل : كل ورقة منها تظل أمة ، عليها ملك يسبح الله عز وجل بأنواع التسبيح . وروي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه " أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما طوبى ؟ قال : شجرة في الجنة مسيرة مائة سنة ، ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها " . وعن معاوية بن قرة عن أبيه يرفعه : " طوبى شجرة غرسها الله تعالى بيده ، ونفخ فيها من روحه ، تنبت الحلي والحلل وإن أغصانها لترى من وراء سور الجنة " .

أخبرنا محمد بن عبد الله بن أبي توبة ، أنبأنا محمد بن أحمد بن الحارث ، أنبأنا محمد بن يعقوب الكسائي ، أنبأنا عبد الله بن محمود ، أنبأنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ، حدثنا عبد الله بن المبارك عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن زياد مولى بني مخزوم ، أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول : إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة لا يقطعها ، اقرؤوا إن شئتم : { وظل ممدود } [ الواقعة-30 ] فبلغ ذلك كعبا فقال : صدق والذي أنزل التوراة على موسى عليه السلام والقرآن على محمد صلى الله عليه وسلم ، لو أن رجلا ركب حقة أو جذعة ثم دار بأصل تلك الشجرة ما بلغها حتى يسقط هرما ، إن الله تعالى غرسها بيده ونفخ فيها من روحه ، وإن أفنانها لمن وراء سور الجنة ، ما في الجنة نهر إلا وهو يخرج من أصل تلك الشجرة . وبهذا الإسناد عن عبد الله بن المبارك عن معمر عن الأشعث بن عبد الله عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة قال : في الجنة شجرة يقال لها طوبى ، يقول الله عز وجل لها : تفتقي لعبدي عما شاء فتفتق له عن فرس بسرجه ولجامه ، وهيئته كما شاء ، يفتق له عن الراحلة برحلها وزمامها وهيئتها كما شاء وعن الثياب .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ طُوبَىٰ لَهُمۡ وَحُسۡنُ مَـَٔابٖ} (29)

{ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ } قال ابن أبي طلحة ، عن ابن عباس : فرح وقُرة عين . وقال عِكْرِمة : نعم مالهم .

وقال الضحاك : غبطة لَهُم . وقال إبراهيم النَّخعي : خير لهم .

وقال قتادة : هي كلمة عربية{[15595]} يقول الرجل : " طوبى لك " ، أي : أصبت خيرًا . وقال في رواية : { طُوبَى لَهُمْ } حسنى لهم .

{ وَحُسْنُ مَآبٍ } أي : مرجع .

وهذه الأقوال شيء واحد لا منافاة بينها .

وقال سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : { طُوبَى لَهُمْ } قال : هي أرض الجنة بالحبشية .

وقال سعيد بن مَسْجُوح : طوبى اسم الجنة بالهندية . وكذا روى السدي ، عن عِكْرِمة : { طُوبَى لَهُمْ } أي : الجنة . وبه قال مجاهد .

وقال العوفي ، عن ابن عباس : لما خلق الله الجنة وفرغ منها قال : { الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ } وذلك حين أعجبته .

وقال ابن جرير : حدثنا ابن حميد ، حدثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن شَهْر بن حَوْشَب قال : { طُوبَى } شجرة في الجنة ، كل شجر الجنة منها ، أغصانها من وراء سور الجنة .

وهكذا رُوي عن أبي هريرة ، وابن عباس ، ومغيث بن سُمَىّ ، وأبي إسحاق السَّبِيعي وغير واحد من السلف : أن طوبى شجرة في الجنة ، في كل دار منها غصن منها .

وذكر بعضهم أن الرحمن ، تبارك وتعالى ، غرسها بيده من حبة لؤلؤة ، وأمرها أن تمتد ، فامتدت إلى حيث يشاء الله تبارك وتعالى ، وخرجت من أصلها ينابيع أنهار الجنة ، من عسل وخمر وماء ولبن . {[15596]} وقد قال عبد الله بن وهب : حدثنا عمرو بن الحارث ، أن درَّاجا أبا السَّمْح حدثه ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد الخدري ، رضي الله عنه ، [ مرفوعا : " طوبى : شجرة في الجنة مسيرة مائة سنة ، ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها " . {[15597]}

وقال الإمام أحمد : حدثنا حسن بن موسى ، سمعت عبد الله بن لَهِيعة ، حدثنا دَرَّاج أبو السمح ، أن أبا الهيثم حدثه ، عن أبي سعيد الخدري ]{[15598]} عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن رجلا قال : يا رسول الله ، طوبى لمن رآك وآمن بك . قال : " طوبى لمن رآني وآمن بي ، ثم طوبى ، ثم طوبى ، ثم طوبى لمن آمن بي ولم يرني " . قال له رجل : وما طوبى ؟ قال : " شجرة في الجنة مسيرة مائة عام ، ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها " . {[15599]} وروى البخاري ومسلم جميعًا ، عن إسحاق بن راهويه ، عن مغيرة المخزومي ، عن وَهيب ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها " قال : فحدثت به النعمان بن أبي عياش الزّرَقي ، فقال : حدثني أبو سعيد الخُدْري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن في الجنة شجرة يسير الراكب الجَوَاد المضمَّرَ السريع مائة عام ما يقطعها " . {[15600]} وفي صحيح البخاري ، من حديث يزيد بن زُرَيع ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن أنس ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الله : { وَظِلٍّ مَمْدُودٍ } [ الواقعة : 30 ] قال : " في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها " . {[15601]} وقال الإمام أحمد : حدثنا سُرَيْج ، حدثنا فُلَيْح ، عن هلال بن علي ، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة{[15602]} اقرءوا إن شئتم { وَظِلٍّ مَمْدُودٍ } أخرجاه في الصحيحين . {[15603]} وقال [ الإمام ]{[15604]} أحمد أيضًا : حدثنا محمد بن جعفر وحجاج قالا حدثنا شعبة ، سمعت أبا الضحاك يحدث عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها سبعين - أو : مائة - سنة هي شجرة الخلد " . {[15605]} وقال محمد بن إسحاق ، عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه ، عن أسماء بنت أبي بكر ، رضي الله عنها ، قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذكر سدرة المنتهى ، قال : " يسير في ظل الفنن منها الراكب مائة سنة - أو : قال - : يستظل في الفنن منها مائة راكب ، فيها فراش الذهب ، كأن ثمرها القلال " . رواه الترمذي . {[15606]}

وقال إسماعيل بن عياش ، عن سعيد بن يوسف ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلام الأسود قال : سمعت أبا أمامة الباهلي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما منكم من أحد يدخل الجنة إلا انطلق به إلى طوبى ، فتفتح له أكمامها ، فيأخذ من أي ذلك شاء ، إن شاء أبيض ، وإن شاء أحمر ، وإن شاء أصفر ، وإن شاء أسود ، مثل شقائق النعمان وأرق وأحسن " . {[15607]} وقال الإمام أبو جعفر بن جرير : حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، حدثنا محمد بن ثور ، عن مَعْمَر ، عن أشعث بن عبد الله ، عن شَهْر بن حَوْشَب ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : طوبى شجرة في الجنة ، يقول الله لها : " تَفَتَّقي لعبدي عَمّا شاء ؛ فتفتق له عن الخيل بسروجها ولجمها ، وعن الإبل بأزمتها ، وعما شاء من الكسوة " {[15608]} . وقد روى ابن جرير عن وهب بن منبه هاهنا أثرًا غريبًا عجيبا ، قال وهب ، رحمه الله : إن في الجنة شجرة يقال لها : " طوبى " ، يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها ، زهرها رياط ، وورقها برود ، وقضبانها عنبر ، وبطحاؤها ياقوت ، وترابها كافور ، وَوحَلها مسك ، يخرج من أصلها أنهار الخمر واللبن والعسل ، وهي مجلس لأهل الجنة ، فبينا هم في مجلسهم إذ أتتهم ملائكة من ربهم يقودون نجبا مزمومة بسلاسل من ذهب وجوهها كالمصابيح حسنا{[15609]} ووبرها كخز المْرعِزّي{[15610]} من لينه ، عليها رحال ألواحها من ياقوت ، ودفوفها{[15611]} من ذهب ، وثيابها من سندس وإستبرق ، فينيخونها ويقولون : إن ربنا أرسلنا إليكم لتزوروه وتسلموا عليه قال : فيركبونها ، فهي أسرع من الطائر ، وأوطأ من الفراش ، نجيا من غير مَهَنَة ، يسير الرجل إلى جنب أخيه وهو يكلمه ويناجيه ، لا تصيب{[15612]} أذن راحلة منها أذن الأخرى ، ولا بَرك راحلة برك الأخرى ، حتى إن شجرة لتتنحَّى عن طريقهم ، لئلا تفرق بين الرجل وأخيه . قال : فيأتون إلى الرحمن الرحيم فيسفر لهم عن وجهه الكريم حتى ينظروا إليه ، فإذا رأوه قالوا : اللهم ، أنت السلام ومنك السلام ، وحق لك الجلال والإكرام . قال : فيقول تعالى [ عند ذلك ]{[15613]} أنا السلام ومني السلام ، وعليكم حقت رحمتي ومحبتي ، مرحبا بعبادي الذين خشوني بغيب وأطاعوا أمري " .

قال : فيقولون : ربنا لم نعبدك حق عبادتك ، ولم نقدرك حق قدرك ، فأذن لنا في السجود قُدامك قال : فيقول الله : " إنها ليست بدار نصب ولا عبادة ، ولكنها دار مُلْك ونعيم ، وإني قد رفعت عنكم نصب العبادة ، فسلوني ما شئتم ، فإن لكل رجل منكم أمنيته " فيسألونه ، حتى أن أقصرهم أمنية ليقول : رب ، تنافس{[15614]} أهل الدنيا في دنياهم فتضايقوا فيها ، رب فآتني مثل كل شيء كانوا فيه من يوم خلقتها إلى أن انتهت الدنيا . فيقول الله تعالى : " لقد قصرت بك أمنيتك ، ولقد سألت دون منزلتك ، هذا لك مني ، [ وسأتحفك بمنزلتي ]{[15615]} ؛ لأنه ليس في عطائي نكد ولا تَصريد " . قال : ثم يقول : " اعرضوا على عبادي ما لم يبلغ أمانيهم ، ولم يخطر لهم على بال " . قال : فيعرضون عليهم حتى تَقْصر بهم أمانيهم التي في أنفسهم ، فيكون فيما يعرضون عليهم براذين مُقْرنة ، على كل أربعة منها سرير من ياقوتة واحدة ، على كل سرير منها قبة من ذهب مُفرَّغة ، في كل قبة منها فرش من فُرش الجنة مُتظاهرة ، في كل قبة منها جاريتان من الحور العين ، على كل جارية منهن ثوبان من ثياب الجنة ، وليس في الجنة لون إلا وهو فيهما{[15616]} ولا ريح طيبة إلا قد عبقتا به{[15617]} ينفذ ضوء وجوههما غلظ القبة ، حتى يظن من يراهما أنهما دون القبة ، يرى مخهما من فوق سوقهما ، كالسلك الأبيض في ياقوتة حمراء ، يريان له من الفضل على صاحبته{[15618]} كفضل الشمس على الحجارة أو أفضل ، ويرى هو لهما مثل ذلك ، ويدخل إليهما فيحييانه ويقبلانه ويعتنقانه{[15619]} به ، ويقولان له : والله ما ظننا أن الله يخلق مثلك . ثم يأمر الله تعالى الملائكة فيسيرون بهم صفا في الجنة ، حتى ينتهى بكل رجل منهم إلى منزلته التي أعدت له . {[15620]} وقد روى هذا الأثر ابن أبي حاتم بسنده ، عن وهب بن منبه ، وزاد : فانظروا إلى موهوب ربكم الذي وهب لكم ، فإذا هو بقباب في الرفيق الأعلى ، وغرف مبنية من الدر والمرجان ، وأبوابها من ذهب ، وسررها من ياقوت ، وفرشها من سندس وإستبرق ، ومنابرها من نور ، يفور من أبوابها وعراصها نور مثل شعاع الشمس عنده مثل الكوكب الدري{[15621]} في النهار المضيء ، وإذا بقصور شامخة في أعلى عليين من الياقوت يزهو نورها ، فلولا أنه مُسَخر ، إذًا لالتمع الأبصارَ ، فما كان من تلك القصور من الياقوت [ الأبيض ، فهو مفروش بالحرير{[15622]} الأبيض ، وما كان منها من الياقوت الأحمر فهو مفروش بالعبقري الأحمر ، وما كان منها من الياقوت الأخضر ]{[15623]} فهو مفروش بالسندس الأخضر ، وما كان منها من الياقوت الأصفر ، فهو مفروش بالأرجوان الأصفر منزه{[15624]} بالزمرد الأخضر ، والذهب الأحمر ، والفضة البيضاء ، قوائمها وأركانها من الجوهر ، وشُرُفها قباب من لؤلؤ ، وبروجها غُرَف من المرجان . فلما انصرفوا إلى ما أعطاهم ربهم ، قُرّبت لهم براذين من ياقوت أبيض ، منفوخ فيها الروح ، تَجنَبها الولدان المخلدون بيد كل وليد منهم حكمة بِرْذَون من تلك البراذين ، ولجمها وأعنتها من فضة بيضاء ، منظومة بالدر والياقوت ، سُرُوجها سُرُرٌ موضونة ، مفروشة بالسندس والإستبرق . فانطلقت بهم تلك البراذين تَزَف بهم ببطن{[15625]} رياض الجنة . فلما انتهوا إلى منازلهم ، وجدوا الملائكة قُعُودًا على منابر من نور ، ينتظرونهم ليزوروهم ويصافحوهم ويهنئوهم كرامَةَ ربهم . فلما دخلوا قصورهم وجدوا فيها جميع ما تَطَاول به عليهم{[15626]} وما سألوا وتمنوا ، وإذا على باب كلّ قصر من تلك القصور أربعة جنان ، [ جنتان ]{[15627]} ذواتا أفنان ، وجنتان مُدْهامتان ، وفيهما عينان نضاختان ، وفيهما من كل فاكهة زوجان ، وحور مقصورات في الخيام ، فلما تَبَيَّنُوا{[15628]} منازلهم واستقروا قرارهم قال لهم ربهم : هل وجدتم ما وعدتكم{[15629]} حقا ؟ قالوا : نعم ورَبِّنَا . قال : هل رضيتم ثواب ربكم ؟ قالوا : ربنا ، رضينا فارض عنا قال : برضاي{[15630]} عنكم حللتم داري ، ونظرتم إلى وجهي ، وصافحتكم ملائكتي ، فهنيئًا هنيئًا لكم ، { عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ } [ هود : 108 ] ليس فيه تنغيص ولا تصريد . فعند ذلك قالوا : الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن ، وأدخلنا{[15631]} دار المقامة من فضله ، لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب ، إن ربنا لغفور شكور .

وهذا سياق غريب ، وأثر عجيب ولبعضه شواهد ، ففي الصحيحين : أن الله تعالى يقول لذلك الرجل الذي يكون آخر أهل الجنة دخولا الجنة : تمن " ، فيتمنى{[15632]} حتى إذا انتهت به الأماني يقول الله تعالى : " تمن من كذا وتمن من كذا " ، يذكره ، ثم يقول : " ذلك لك ، وعشرة أمثاله " . {[15633]}

وفي صحيح مسلم ، عن أبي ذر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله ، عز وجل{[15634]} يا عبادي ، لو أن أولكم وآخركم ، وإنسكم وجنكم ، قاموا في صعيد واحد ، فسألوني ، فأعطيت كل إنسان{[15635]} مسألته ، ما نقص ذلك من ملكي شيئا ، إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل في البحر " ، الحديث بطوله{[15636]} . وقال خالد بن مَعْدَان : إن في الجنة شجرة يقال لها طوبى ، لها ضروع ، كلها ترضع صِبيَان أهل الجنة ، وإن سَقَط المرأة يكون في نهر من أنهار الجنة ، يتقلب فيه حتى تقوم القيامة ، فيبعث ابن أربعين سنة . رواه ابن أبي حاتم .


[15595]:- في ت ، أ : "غريبة".
[15596]:- في ت : "ولبن وماء".
[15597]:- رواه الطبري في تفسيره (16/443) قال أحمد ، رحمه الله : "أحاديث دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد فيها ضعف".
[15598]:- زيادة من ت ، أ.
[15599]:- المسند (3/71).
[15600]:- صحيح البخاري برقم (6552) وصحيح مسلم برقم (2827).
[15601]:- صحيح البخاري برقم (3251).
[15602]:- في أ : "عام".
[15603]:- المسند (2/482).
[15604]:- زيادة من أ.
[15605]:- المسند (2/455).
[15606]:- سنن الترمذي برقم (2541) وقال الترمذي : "حديث حسن غريب" وفي بعض النسخ : "حسن صحيح غريب".
[15607]:- رواه ابن أبي الدنيا في صفة الجنة برقم (146) من طريق أبي عتبة ، عن إسماعيل بن عياش ، به.
[15608]:- تفسير الطبري (16/438) ورواه ابن المبارك في الزهد برقم (265) من طريق معمر عن الأشعث ، به. وشهر بن حوشب ضعيف.
[15609]:- في ت ، أ : "من حسنها".
[15610]:- في ت : "الرعزى".
[15611]:- في أ : "ورفرفها".
[15612]:- في ت ، أ : "لا يصيب".
[15613]:- زيادة من ت ، أ ، والطبري.
[15614]:- في أ : "يتنافس".
[15615]:- زيادة من ت ، أ ، والطبري.
[15616]:- في أ : "فيها".
[15617]:- في ت ، أ : "عبقا بهما".
[15618]:- في أ : "صاحبه".
[15619]:- في ت ، أ : "ويعلقانه".
[15620]:- تفسير الطبري (16/439).
[15621]:- في ت ، أ : "الذي".
[15622]:- في أ : "من الحرير".
[15623]:- زيادة من ت ، أ.
[15624]:- في أ : "مبوبة".
[15625]:- في أ : "وبطن".
[15626]:- في أ : "عليهم ربهم".
[15627]:- زيادة من ت ، أ.
[15628]:- في ت ، أ : "تبوءوا".
[15629]:- في ت : "ما وعد ربكم".
[15630]:- في ت : "فبرضاى".
[15631]:- في أ : "وأحلنا".
[15632]:- في ت : "فيمن".
[15633]:- صحيح البخاري برقم (6573) وصحيح مسلم برقم (182) من حديث أبي هريرة وأبي سعيد ، رضي الله عنهما.
[15634]:- في ت : "عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن جبريل ، عن الله عز وجل".
[15635]:- في ت : "إنسان منهم".
[15636]:- صحيح مسلم برقم (2577).
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ طُوبَىٰ لَهُمۡ وَحُسۡنُ مَـَٔابٖ} (29)

وقوله : الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ ، الصالحات من الأعمال ، وذلك العمل بما أمرهم ربهم . طُوَبى لَهُمْ وطُوَبى في موضع رفع بلهم . وكان بعض أهل البصرة والكوفة يقول ذلك رفع ، كما يقال في الكلام : وَيْلٌ لعمرو ، وإنما أوثر الرفع في طُوبَى لحسن الإضافة فيه بغير لام ، وذلك أنه يقال فيه طوباك ، كما يقال : ويْلَك ووَيْبك ، ولولا حسن الإضافة فيه بغير لام لكان النصب فيه أحسن وأفصح ، كما النصب في قولهم : تَعْسا لزيد وبُعدا له وسحقا أحسن ، إذ كانت الإضافة فيها بغير لام لا تحسن .

وقد اختلف أهل التأويل في تأويل قوله طُوبَى لَهُمْ فقال بعضّهم : معناه : نِعْمَ ما لَهم . ذكر من قال ذلك :

حدثني جعفر بن محمد البروريّ من أهل الكوفة ، قال : حدثنا أبو زكريا الكلبيّ ، عن عمر بن نافع ، قال : سئل عكرمة عن «طوبى لهم » ، قال : نِعْمَ ما لَهم .

حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا عمرو بن نافع ، عن عكرمة ، في قوله : طُوَبى لَهُمْ قال : نِعْم ما لَهم .

حدثني الحارث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : ثني عمرو بن نافع ، قال : سمعت عكرمة ، في قوله : طُوَبى لَهُمْ قال : نِعْم ما لَهم .

وقال آخرون : معناه : غبْطةٌ لهم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو هشام ، قال : حدثنا أبو خالد الأحمر ، عن جويبر ، عن الضحاك : طُوَبى لَهُمْ قال : غِبْطة لهم .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مَغْراء ، عن جويبر ، عن الضحاك ، مثله .

قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن جُوَيبر ، عن الضحاك ، مثله .

وقال آخرون : معناه : فَرَح وقرّة عين . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ بن داود المثنى بن إبراهيم ، قالا : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : طُوَبَى لَهُمْ يقول : فَرَح وقرّة عين .

وقال آخرون : معناه : حُسْنَى لهم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : طُوَبى لَهُمْ يقول : حُسْنَى لهم ، وهي كلمة من كلام العرب .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : طُوَبى لَهُمْ هذه كلمة عربية ، يقول الرجل : طُوَبى لك : أي أصبتَ خيرا .

وقال آخرون : معناه : خير لهم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو هشام ، قال : حدثنا ابن يمان ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم ، قال : خير لهم .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن إبراهيم ، في قوله : طُوَبى لَهُمْ قال : الخير والكرامة التي أعطاهم الله .

وقال آخرون : طُوَبى لَهُمْ اسم من أسماء الجنة ، ومعنى الكلام : الجنة لهم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن أشعث ، عن جعفر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : طُوبَى لَهُمْ قال : اسم الجنة بالحبشية .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد بن مشجوع في قوله : طُوَبى لَهُمْ قال : «طوبى » : اسم الجنة بالهِندية .

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا داود بن مهران ، قال : حدثنا يعقوب ، عن جعفر بن أبي المُغيرة ، عن سعيد بن مشجوع ، قال : اسم الجنة بالهندية : طُوبَى .

حدثنا أبو هشام ، قال : حدثنا ابن يمان ، قال : حدثنا سفيان ، عن السديّ ، عن عكرمة : طُوبَى لَهُمْ قال : الجنة .

قال : حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : طُوبَى لَهُمْ قال : الجنة .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مآبٍ قال : لما خلق الله الجنة وفرغ منها قال : الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مآبٍ وذلك حين أعجبته .

حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا شريك ، عن ليث ، عن مجاهد : طُوبَى لَهُمْ قال الجنة .

وقال آخرون : طُوَبى لَهُمْ : شجرة في الجنة . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا قرة بن خالد ، عن موسى بن سالم ، قال : قال ابن عباس : طُوبَى لَهُمْ شجرة في الجنة .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الأشعث بن عبد الله ، عن شَهْر بن حَوْشب ، عن أبي هريرة : طُوبَى لَهُمْ : شجرة في الجنة يقول لها : تفتقي لعبدي عما شاء فتتفتق له عن الخيل بسروجها ولُجُمها ، وعن الإبل بأزمّتها ، وعما شاء من الكسوة .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن شهر بن حوشب ، قال : طوبى : شجرة في الجنة ، كلّ شجر الجنة منها ، أغصانها من وراء سُور الجنة .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد بن نصر ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن معمر ، عن الأشعث ، بن عبد الله ، عن شهر بن حوشب ، عن أبي هريرة قال : في الجنة شجرة يقال لها طُوَبى ، يقول الله لها : تفتقي فذكر نحو حديث ابن عبد الأعلى ، عن ابن ثور .

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا عبد الجبار ، قال : حدثنا مروان ، قال : أخبرنا العلاء ، عن شمّر بن عطية ، في قوله : طُوبَى لَهُمْ قال : هي شجرة في الجنة يقال لها طوبى .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن سفيان ، عن منصور ، عن حسان أبي الأشرس ، عن مُغيث بن سُمَيّ ، قال : طُوَبى : شجرة في الجنة ، ليس في الجنة دار إلا فيها غصن منها ، فيجيء الطائر فيقع فيدعوه ، فيأكل من أحد جنبيه قَدِيدا ومن الاَخر شِواء ، ثم يقول : طِرْ فيطير .

قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن بعض أهل الشام ، قال : إن ربك أخذ لؤلؤة فوضعها على راحتيه ، ثم دَمْلجها بين كفيّه ، ثم غرسها وسط أهل الجنة ، ثم قال لها : امتدّي حتى تبلغي مرضاتي ففعلت ، فلما استوت تفجّرت من أصولها أنهار الجنة ، وهي طُوَبى .

حدثنا الفضل بن الصباح ، قال : حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم الصنعاني ، قال : ثني عبد الصمد بن معقل ، أنه سمع وهبا يقول : إن في الجنة شجرة يقال لها : طُوَبى ، يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها ، زهرها رياط ، وورقها برود ، وقضبانها عنبر ، وبطحاؤها ياقوت ، وترابها كافور ، ووحلها مسك ، يخرج من أصلها أنهار الخمر واللبن والعسل ، وهي مجلس لأهل الجنة . فبينما هم في مجلسهم إذ أتتهم ملائكة من ربهم ، يقودون نُجبُا مزمومة بسلاسل من ذهب ، وجوهها كالمصابيح من حسنها ، وبرها كخزّ المِرْعِزّي من لينه ، عليها رحال ، ألواحها من ياقوت ، ودفوفها من ذهب ، وثيابها من سندس وإستبرق ، فينيخونها ويقولون : إن ربنا أرسلنا إليكم لتزوروه وتسلموا عليه . قال : فيركبونها . قال : فهي أسرع من الطائر ، وأوطأ من الفِراش نُجُبا من غير مَهَنة ، يسير الرجل إلى جنب أخيه وهو يكلمه ويناجيه ، لا تصيب أذن راحلة منها أذن صاحبتها ، ولا بَرْك راحلة بَرْك صاحبتها ، حتى إن الشجرة لتتنحّى عن طرقهم لئلا تفرّق بين الرجل وأخيه . قال : فيأتون إلى الرحمن الرحيم ، فيسفر لهم عن وجهه الكريم حتى ينظروا إليه ، فإذا رأوه قالوا : اللهمّ أنت السلام ومنك السلام ، وحقّ لك الجلال والإكرام قال : فيقول تبارك وتعالى عند ذلك : أنا السلام ، ومنى السلام ، وعليكم حَقّت رحمتي ومحبتي ، مرحبا بعبادي الذين خَشُوني بغيب أطاعوا أمري قال : فيقولون : ربنا إنا لم نعبدك حقّ عبادتك ولم نقدّرك حقّ قدرك ، فأذن لنا بالسجود قدامك قال : فيقول الله : إنها ليست بدار نصَب ولا عبادة ، ولكنها دار مُلك ونعيم ، وإني قد رَفَعت عنكم نَصَب العبادة ، فسلوني ما شئتم ، فإن لكلّ رجل منكم أمنيته فيسألونه حتى إن أقصرهم أمنية ليقول : ربّ تنافس أهل الدنيا في دنياهم فتضايقوا فيها ، ربّ فآتني كلّ شيء كانوا فيه من يوم خلقتها إلى أن انتهت الدنيا فيقول الله : لقد قَصّرت بك اليوم أمنيتك ، ولقد سألت دون منزلتك ، هذا لك مني ، وسأتحفك بمنزلتي ، لأنه ليس في عطائي نَكَد ولا تَصْرِيد . قال : ثم يقول : اعرضوا على عبادي ما لم تبلغ أمانيّهم ولم يخطر لهم على بال قال : فيَعرضون عليهم حتى يقضوهم أمانيهم التي في أنفسهم ، فيكون فيما يعرضون عليهم براذينُ مقرنة ، على كلّ أربعة منها سرير من ياقوتة واحدة ، على كلّ سرير منها قُبة من ذهب ، مُفْرَغة ، في كل قبة منها فرش من فُرُش الجنة مظاهرة ، في كل قبة منها جاريتان من الحور العين ، على كلّ جارية منهنّ ثوبان من ثياب الجنة ، ليس في الجنة لون إلا وهو فيهما ، ولا ريح طيّبة إلا قد عَبقتا به ، ينَفُذ ضوء وجوههما غلَظَ القبة ، حتى يظن من يراهما أنهما من دون القبة ، يرى مخهما من فوق سُوقهما كالسلك الأبيض من ياقوتة حمراء ، يريان له من الفضل على صحابته كفضل الشمس على الحجارة أو أفضل ، ويرى هو لهما مثل ذلك . ثم يدخل إليهما فيحييانه ويقبلانه ويعانقانه ، ويقولان له : والله ما ظننا أن الله يخلق مثلك ثم يأمر الله الملائكة فيسيرون بهم صفا في الجنة حتى ينتهي كلّ رجل منهم إلى منزلته التي أُعدت له .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا علي بن جرير ، عن حماد ، قال : شجرة في الجنة في دار كل مؤمن غصن منها .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن حسّان بن أبي الأشرس ، عن مُغيث بن سُمَيّ قال : طوبى : شجرة في الجنة لو أن رجلاً ركب قلوصا جذعا أو جذعة ، ثم دار بها لم يبلغ المكان الذي ارتحل منه حتى يموت هرما . وما من أهل الجنة منزل إلا فيه غصن من أغصان تلك الشجرة متدلّ عليهم ، فإذا أرادوا أن يأكلوا من الثمرة تدلى إليهم فيأكلون منه ما شاءوا ، ويجيء الطير فيأكلون منه قديدا وشواء ما شاءوا ، ثم يطير .

وقد رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر بنحو ما قال من قال هي شجرة . ذكر الرواية بذلك :

حدثني سليمان بن داود القُومسي ، قال : حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع ، قال : حدثنا معاوية بن سلام ، عن زيد ، أنه سمع أبا سلام ، قال : حدثنا عامر بن زيد البكالي ، أنه سمع عتبة بن عبد السلمي يقول : جاء أعرابيّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، إن في الجنة فاكهة ؟ قال : «نَعَمْ ، فِيها شَجَرَةٌ تُدْعَى طُوبَى ، هِيَ تُطَابِقُ الفِرْدَوْسَ » . قال : أيّ شجر أرضنا تُشْبه ؟ قال : «لَيْسَتْ تُشْبِهُ شَيْئا مِنْ شَجَرِ أرْضِكَ ، وَلَكِنْ أتَيْتَ الشّامَ ؟ » فقال : لا يا رسول الله ، فقال : «فإنّها تُشْبِهُ شَجَرَةً تُدْعَى الجُوزَةَ ، تَنْبُتُ على ساقٍ وَاحِدَةٍ ثُمّ يَنْتَشِرُ أعْلاها » قال : ما عظم أصلها ؟ قال : «لَوِ ارْتَحَلتْ جَذَعَةٌ مِنْ إبلِ أهْلِكَ ما أحاطَتْ بأصلها حتى تَنْكَسِرَ تَرْقوَتاها هَرَما » .

حدثنا الحسن بن شبيب ، قال : حدثنا محمد بن زياد الجريري ، عن فرات بن أبي الفرات ، عن معاوية بن قُرة ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مآبٍ : شَجَرَةٌ غَرَسَها اللّهُ بيَدِهِ ، وَنَفَخَ فِيها مِنْ رَوْحِهِ بالحُلِيّ والحُلَلِ ، وَإنّ أغْصَانَها لَتُرَى مِنْ وَرَاءِ سُورِ الجَنَةِ » .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني عمرو بن الحارث ، أن دراجا حدثه أن أبا الهيثم حدثه ، عن أبي سعيد الخدريّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن رجلا قال له : يا رسول الله ما طوبى ؟ قال : «شَجَرَةٌ فِي الجَنّةِ مَسِيَرةُ مِئَةٍ سَنَةٍ ، ثِيابُ أهْلِ الجَنّةِ تَخْرُجُ مِنْ أكمامِها » .

فعلى هذا التأويل الذي ذكرنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرواية به ، يجب أن يكون القول في رفع قوله : طُوبَى لَهُمْ خلاف القول الذي حكيناه عن أهل العربية فيه . وذلك أن الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن طُوبى اسم شجرة في الجنة ، فإذا كان كذلك فهو اسم لمعرفة كزيد وعمرو . وإذا كان ذلك كذلك ، لم يكن في قوله : وَحُسْنُ مآبٍ إلا الرفع عطفا به على «طوبى » .

وأما قوله : وَحُسْنُ مآبٍ فإنه يقول : وحُسن منقلب كما :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك : وَحُسْنُ مآبٍ قال : حسن منقلب .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ طُوبَىٰ لَهُمۡ وَحُسۡنُ مَـَٔابٖ} (29)

{ الذين آمنوا وعملوا الصالحات } مبتدأ خبره . { طوبى لهم } وهو فعلى من الطيب قلبت ياؤه واوا لضمة ما قبلها مصدر لطاب كبشرى وزلفى ، ويجوز فيه الرفع والنصب ولذلك قرئ . { وحُسن مآب } بالنصب .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ طُوبَىٰ لَهُمۡ وَحُسۡنُ مَـَٔابٖ} (29)

طوبى : مصدر من طاب طيباً إذا حسن ، وهي بوزن البُشرى والزلفى ، قلبت ياؤها واواً لمناسبة الضمة ، أي لهم الخير الكامل لأنهم اطمأنت قلوبهم بالذكر ، فهم في طيب حال : في الدنيا بالاطمئنان ، وفي الآخرة بالنعيم الدائم وهو حسن المئاب وهو مرجعهم في آخر أمرهم .

وإطلاق المآب عليه باعتبار أنه آخرُ أمرهم وقرارهم كما أن قرار المرء بيته يرجع إليه بعد الانتشار منه . على أنه يناسب ما تقرر أن الأرواح من أمر الله ، أي من عالم الملكوت وهو عالم الخلد فمصيرها إلى الخلد رجوع إلى عالمها الأول . وهذا مقابل قوله في المشركين { ولهم سوء الدار } .

واللام في قوله : { لهم } للملك .