مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ طُوبَىٰ لَهُمۡ وَحُسۡنُ مَـَٔابٖ} (29)

ثم قال تعالى : { الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب } وفيه مسائل :

المسألة الأولى : في تفسير كلمة { طوبى } ثلاثة أقوال :

القول الأول : أنها اسم شجرة في الجنة ، روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " طوبى شجرة في الجنة غرسها الله بيده تنبت الحلي والحلل وأن أغصانها لترى من وراء سور الجنة " وحكى أبو بكر الأصم رضي الله عنه : أن أصل هذه الشجرة في دار النبي صلى الله عليه وسلم وفي دار كل مؤمن منها غصن .

والقول الثاني : وهو قول أهل اللغة إن طوبى مصدر من طاب ، كبشرى وزلفى ، ومعنى طوبى لك ، أصبت طيبا ، ثم اختلفوا على وجوه : فقيل : فرح وقرة عين لهم . عن ابن عباس رضي الله عنهما . وقيل : نعم ما لهم عن عكرمة ، وقيل غبطة لهم عن الضحاك . وقيل : حسنى لهم عن قتادة . وقيل : خير وكرامة عن أبي بكر الأصم ، وقيل : العيش الطيب لهم عن الزجاج .

واعلم أن المعاني متقاربة والتفاوت يقرب من أن يكون في اللفظ . والحاصل أنه مبالغة في نيل الطيبات . ويدخل فيه جميع اللذات ، وتفسيره أن أطيب الأشياء في كل الأمور حاصل لهم .

والقول الثالث : أن هذه اللفظة ليست عربية ، ثم اختلفوا فقال بعضهم : طوبى اسم الجنة بالحبشية ، وقيل اسم الجنة بالهندية . وقيل البستان بالهندية ، وهذا القول ضعيف ، لأنه ليس في القرآن إلا العربي لا سيما واشتقاق هذا اللفظ من اللغة العربية ظاهر .

المسألة الثانية : قال صاحب «الكشاف » : { الذين آمنوا } مبتدأ و{ طوبى لهم } خبره ، معنى طوبى لك أي أصبت طيبا ، ومحلها النصب أو الرفع ، كقولك طيبا لك وطيب لك وسلاما لك وسلام لك ، والقراءة في قوله : { وحسن مآب } بالرفع والنصب تدلك على محلها ، وقرأ مكوزة الأعرابي ( طيب لهم ) .

أما قوله : { وحسن مآب } فالمراد حسن المرجع والمقر . وكل ذلك وعد من الله بأعظم النعيم ترغيبا في طاعته وتحذيرا عن المعصية .