البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ طُوبَىٰ لَهُمۡ وَحُسۡنُ مَـَٔابٖ} (29)

وجوزوا في الذين أن يكون بدلاً من الذين ، وبدلاً من القلوب على حذف مضاف أي : قلوب الذين ، وأن يكون خبر مبتدأ محذوف أي : هم الذين ، وأن يكون مبتدأ خبره ما بعده .

وطوبى : فعل من الطيب ، قلبت ياؤه واواً لضمة ما قبلها كما قلبت في موسر ، واختلفوا في مدلولها : فقال أبو الحسن الهنائي : هي جمع طيبة قالوا في جمع كيسة كوسى ، وصيفة صوفى .

وفعلى ليست من ألفاظ الجموع ، فلعله يعني بها اسم جمع .

وقال الجمهور : هي مفرد كبشرى وسقيا ورجعى وعقبى ، واختلف القائلون بهذا في معناها .

فقال الضحاك : المعنى غبطة لهم .

وعنه أيضاً : أصبت خيراً .

وقال عكرمة : نعمى لهم .

وقال ابن عباس : فرح وقرة عين .

وقال قتادة : حسنى لهم .

وقال النخعي : خير لهم ، وعنه أيضاً كرامة لهم .

وعن سميط بن عجلان : دوام الخير .

وهذه أقوال متقاربة ، والمعنى العيش الطيب لهم .

وعن ابن عباس ، وابن جبير : طوبى اسم للجنة بالحبشية .

وقيل : بلغة الهند .

وقال أبو هريرة ، وابن عباس أيضاً ، ومعتب بن سمي ، وعبيد بن عمير ، ووهب بن منبه : هي شجرة في الجنة .

وروي مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث عتبة بن عبيد السلمي أنه قال ، " وقد سأله أعرابي : يا رسول الله أفي الجنة فاكهة ؟ قال : «نعم فيها شجرة تدعى طوبى » " وذكر الحديث .

قال القرطبي : الصحيح أنها شجرة للحديث المرفوع حديث عتبة ، وهو صحيح على ما ذكره السهيلي ، وذكره أبو عمر في التمهيد والثعلبي .

وطوبى : مبتدأ ، وخبره لهم .

فإن كانت علماً لشجرة في الجنة فلا كلام في جواز الابتداء ، وإن كانت نكرة فمسوغ الابتداء بها ما ذهب إليه سيبويه من أنه ذهب بها مذهب الدعاء كقولهم : سلام عليك ، إلا أنه التزم فيه الرفع على الابتداء ، فلا تدخل عليه نواسخه هكذا قال : ابن مالك .

ويرده أنه قرىء : وحسن مآب بالنصب ، قرأه كذلك عيسى الثقفي ، وخرج ذلك ثعلب على أنه معطوف على طوبى ، وأنها في موضع نصب ، وحسن مآب معطوف عليها .

قال ثعلب : وطوبى على هذا مصدر كما قالوا : سقيا .

وخرجه صاحب اللوامح على النداء قال : بتقدير يا طوبى لهم ، ويا حسن مآب .

فحسن معطوف على المنادى المضاف في هذه القراءة ، فهذا نداء للتحنين والتشويق كما قال : يا أسفي على الفوت والندبة انتهى .

ويعني بقوله : معطوف على المنادى المضاف ، أنّ طوبى مضاف للضمير ، واللام مقحمة كما أقحمت في قوله : يا بؤس للجهل ضراراً لأقوام ، وقول الآخر : يا بؤس للحرب التي ، ولذلك سقط التنوين من بؤس وكأنه قيل : يا طوباهم وحسن مآب أي : ما أطيبهم وأحسن مآبهم ، كما تقول : يا طيبها ليلة أي : ما أطيبها ليلة .

وقرأ بكرة الأعرابي طيبي بكسر الطاء ، لتسلم الياء من القلب ، وإن كان وزنها فعلى ، كما كسروا في بيض لتسلم الياء ، وإن كان وزنها فعلاً كحمر .

وقال الزمخشري : أصبت خيراً وطيباً ، ومحلها النصب أو الرفع كقولك : طيباً لك ، وطيب لك ، وسلاماً لك ، وسلام لك ، والقراءة في قوله : وحسن مآب بالرفع والنصب بذلك على محلها ، واللام في لهم للبيان مثلها في سقيا لك .

وقرىء : وحسن مآب بفتح النون ، ورفع مآب .

فحسن فعل ماض أصله وحسن نقلت ضمة سينه إلى الحاء ، وهذا جائز في فعل إذا كان للمدح أو الذم كما قالوا : حسن ذا أدباً .