معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلَا تَقۡرَبُواْ مَالَ ٱلۡيَتِيمِ إِلَّا بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ حَتَّىٰ يَبۡلُغَ أَشُدَّهُۥۚ وَأَوۡفُواْ بِٱلۡعَهۡدِۖ إِنَّ ٱلۡعَهۡدَ كَانَ مَسۡـُٔولٗا} (34)

قوله تعالى : { ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا بالعهد } ، بالإتيان بما أمر الله به والانتهاء عما نهى الله عنه . وقيل : أراد بالعهد ما يلتزمه الإنسان على نفسه . { إن العهد كان مسؤولا } ، قال السدي : كان مطلوباً . وقيل : العهد يسأل عن صاحب العهد ، فيقال : فيم نقضت ، كالمؤودة تسأل فيم قتلت ؟

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَا تَقۡرَبُواْ مَالَ ٱلۡيَتِيمِ إِلَّا بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ حَتَّىٰ يَبۡلُغَ أَشُدَّهُۥۚ وَأَوۡفُواْ بِٱلۡعَهۡدِۖ إِنَّ ٱلۡعَهۡدَ كَانَ مَسۡـُٔولٗا} (34)

يقول تعالى : { وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } أي : لا تتصرفوا له إلا بالغبطة { وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا } [ النساء : 2 ] و{ لا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ } [ النساء : 6 ] .

وقد جاء في صحيح مسلم ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي ذر : " يا أبا ذر ، إني أراك ضعيفًا ، وإني أحب لك ما أحب لنفسي : لا تَأَمَّرَن على اثنين ، ولا تولين مال يتيم{[17483]} " {[17484]} .

وقوله [ تعالى ]{[17485]} : { وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ } أي الذي تعاهدون عليه الناس والعقود التي تعاملونهم بها ، فإن العهد والعقد كل منهما يسأل صاحبه عنه { إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولا } أي : عنه .


[17483]:في ت: "بخيل".
[17484]:صحيح مسلم برقم (1826).
[17485]:زيادة من ت.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَا تَقۡرَبُواْ مَالَ ٱلۡيَتِيمِ إِلَّا بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ حَتَّىٰ يَبۡلُغَ أَشُدَّهُۥۚ وَأَوۡفُواْ بِٱلۡعَهۡدِۖ إِنَّ ٱلۡعَهۡدَ كَانَ مَسۡـُٔولٗا} (34)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاّ بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتّىَ يَبْلُغَ أَشُدّهُ وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً } .

يقول تعالى ذكره : وقضى أيضا أن لا تقربوا مال اليتيم بأكل ، إسرافا وبدارا أن يَكْبَروا ، ولكن اقرَبوه بالفَعْلَة التي هي أحسن ، والخَلّة التي هي أجمل ، وذلك أن تتصرّفوا فيه له بالتثمير والإصلاح والحيطة . وكان قتادة يقول في ذلك ما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَلا تَقْرَبُوا مالَ اليَتِيمِ إلاّ بالّتِي هِيَ أحْسَنُ لما نزلت هذه الاَية ، اشتدّ ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكانوا لا يخالطونهم في طعام أو أكل ولا غيره ، فأنزل الله تبارك وتعالى وَإن تُخالِطُوهُمْ فإخْوانُكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ المُفْسِدَ مِنَ المُصْلِحِ فكانت هذه لهم فيها رُخْصة .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة وَلا تَقَرْبُوا مالَ اليَتِيمِ إلاّ بالّتِي هِيَ أحْسَنُ قال : كانوا لا يخالطونهم في مال ولا مأكل ولا مركب ، حتى نزلت وإنْ تُخالِطُوهُمْ فإخْوَانُكُمْ . وقال ابن زيد في ذلك ما :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَلاَ تَقْرَبُوا مالَ اليتِيمِ إلاّ بالّتِي هِيَ أحْسَنُ قال : الأكل بالمعروف ، أن تأكل معه إذا احتجت إليه ، كان أُبيّ يقول ذلك .

وقوله : حتى يَبْلُغَ أشُدّهُ يقول : حتى يبلغ وقت اشتداده في العقل ، وتدبير ماله ، وصلاح حاله في دينه وأوْفُوا بالعَهْدِ يقول : وأوفوا بالعقد الذي تعاقدون الناس في الصلح بين أهل الحرب والإسلام ، وفيما بينكم أيضا ، والبيوع والأشربة والإجارات ، وغير ذلك من العقود إنّ العَهْدَ كانَ مَسْئُولاً يقول : إن الله جلّ ثناؤه سائل ناقض العهد عن نقضه إياه ، يقول : فلا تنقصوا العهود الجائزة بينكم ، وبين من عاهدتموه أيها الناس فتخفروه ، وتغدروا بمن أعطيتموه ذلك . وإنما عنى بذلك أن العهد كان مطلوبا يقال في الكلام : ليسئلنّ فلان عهد فلان .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَا تَقۡرَبُواْ مَالَ ٱلۡيَتِيمِ إِلَّا بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ حَتَّىٰ يَبۡلُغَ أَشُدَّهُۥۚ وَأَوۡفُواْ بِٱلۡعَهۡدِۖ إِنَّ ٱلۡعَهۡدَ كَانَ مَسۡـُٔولٗا} (34)

{ ولا تقربوا مال اليتيم } فضلا أن تتصرفوا فيه . { إلا بالتي هي أحسن } إلا بالطريقة التي هي أحسن . { حتى يبلغ أشدّه } غاية لجواز التصرف الذي دل عليه الاستثناء . { وأوفوا بالعهد } بما عاهدكم الله من تكاليفه ، أو ما عاهدتموه وغيره . { إن العهد كان مسئولا } مطلوبا يطلب من المعاهد أن لا يضيعه ويفي به ، أو مسؤولا عنه يسأل الناكث ويعاتب عليه لم نكثت ، أو يسأل العهد تبكيتا للناكث كما يقال للموءودة { بأي ذنب قتلت } ، فيكون تخييلا ويجوز أن يراد أن صاحب العهد كان مسؤولا .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَا تَقۡرَبُواْ مَالَ ٱلۡيَتِيمِ إِلَّا بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ حَتَّىٰ يَبۡلُغَ أَشُدَّهُۥۚ وَأَوۡفُواْ بِٱلۡعَهۡدِۖ إِنَّ ٱلۡعَهۡدَ كَانَ مَسۡـُٔولٗا} (34)

الخطاب في هذه الآية للأوصياء الذين هم معدون لقرب مال اليتامى ، ثم لمن تلبس بشيء من أمر يتيم من غير وصي ، و { اليتيم } الفرد من الأبناء ، واليتم الانفراد ، يقال يتم الصبي يتيم إذا فقد أباه ، قال ابن السكيت : اليتم في البشر من قبل الأب ، وفي البهائم من قبل الأم ، وفي كتاب الماوردي ، أن اليتم في البشر من قبل الأم أيضاً ، وجمعه أيتام كشريف وأشراف وشهيد وأشهاد ، ويجمع يتامى كأسير وأسارى كأنهما الأمور المكروهة التي تدخل على المرء غلبة ، قال ابن سيده : وحكى ابن الأعرابي يتمان في يتيم ، وأنشد في ذلك : [ الطويل ]

فبت أشوي ظبيتي وحليلتي . . . طربا وجرو الذيب يتمان جائع{[7553]}

ويجوز أن يكون يتامى جمع يتمان ، وفي الحديث «لا يتم بعد حلم »{[7554]} وقوله { إلا بالتي هي أحسن } يريد إلا بأحسن الحالات .

قال القاضي أبو محمد : وذلك في الوصي الغني ، أن يثمر المال ويحوطه ولا يمسّ منه شيئاً على جهة الانتفاع به ، هذا هو الورع والأولى الا أن يكون يشتغل في مال اليتيم ويشح فله بالفقه أن تفرض له أجرة ، وأما الوصي الفقير الذي يشغله مال اليتيم عن معاشه ، فاختلف الناس في أكله منه بالمعروف كيف هو ؟ فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : يتسلف منه ، فإذا أيسر رد فيه ، وقال ابن المسيب ، لا يشرب الماء من مال اليتيم ، قيل له فما معنى { فليأكل بالمعروف }{[7555]} ؟ قال : إنما ذلك لخدمته وغسل ثوبه ، وقال مجاهد : لا يقرب إلا التجارة ولا يستقرض منه ، قال : قوله { فليأكل بالمعروف } [ ذاته ] معناه من مال نفسه ، وقال أبو يوسف : لعل قوله { فليأكل بالمعروف } [ ذاته ] منسوخ بقوله { لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل }{[7556]} [ النساء : 29 ] وقال ابن عباس : يأكل منه الشربة من اللبن والطرفة من الفاكهة ونحو هذا مما يخدمه ، ويلط الحوض{[7557]} ويجد النخل{[7558]} ، وينشد الضالة{[7559]} فليأكل غير مضر بنسل{[7560]} ولا ناهك في الحلب{[7561]} ، وقال زيد بن أسلم : يأكل منه بأطراف أصابعه بلغة{[7562]} من العيش بتعبه .

قال القاضي أبو محمد : وهذه استعارة للتقلل{[7563]} ، وقال مالك رحمه الله وغيره . يأخذ منه أجره بقدر تعبه ، فهذه كلها تدخل فيما هو أحسن ، وكمال تفسير هذه المعاني في سورة النساء بحسب ألفاظ تلك الآيات{[7564]} ، وفي الخبر عن قتادة أن هذه الآية لما نزلت شقت على المسلمين وتجنبوا الأكل معهم في صحفة ونحوه ، فنزلت { وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح }{[7565]} وقوله { حتى يبلغ أشده } غاية الإمساك عن مال اليتيم ، ثم ما بعد الغاية قد بينته آية أخرى ، وما بعد هذه الغايات أبداً موقوف حتى يقوم فيه دليل شرعي أو يقتضي ذلك الاتفاق في النازلة ، ومثل هذا قول عائشة رضي الله عنها أنا فتلت قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي ، وبعث بها ، فلم يحرم علي رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء أحله الله له حتى نحر الهدي ، و «الأشد » جمع شد عند سيبويه{[7566]} ، وقال أبو عبيدة : لا واحد له من لفظه ، ومعناها قواه في العقل والتجربة والنظر لنفسه ، وذلك لا يكون إلا مع البلوغ ، ف «الأشد » في مذهب مالك أمران ، البلوغ بالاحتلام أو ما يقوم مقامه حسب الخلاف في ذلك ، والرشد في المال ، واختلف هل من شروط ذلك الرشد في الدين على قولين ، فابن القاسم لا يراعيه إذا كان ضابطاً لماله ، وراعاه غيره من بعض أصحاب مالك ، ومذهب أبي حنيفة أن الأشد هو البلوغ فقط فلا حجر عنده على بالغ إلا أن يعرف منه السفه .

قال القاضي أبو محمد : ولست من هذا التقييد في قوله على ثقة ، وقال أبو إسحاق الزجاج «الأشد » في قوله أن تأتي على الصبي ثمان عشرة سنة ، وإنما أراد أنها بعض ما قيل في حد البلوغ لمن لا يحتلم ، وأما أن يكون بالغ رشيد تقي لا يدفع إليه ماله حتى يبلغ هذه المدة فشيء لا أحفظ من يقوله ، وقوله { بالعهد } لفظ عام لكل عهد وعقد بين الإنسان وبين ربه أو بينه وبين المخلوقين في طاعة ، وقوله { إن العهد كان مسؤولاً } أي مطلوباً ممن عهد إليه أو عوهد هل وفى به أم لا ؟ .


[7553]:البيت لأبي العارم الكيلاني، وهو في اللسان (يتم)، وأشوي: أطعم الشواء، والصبي: الصغير الذي لم يفطم، أو الصغير دون الغلام. وحليلة الرجل: زوجه، والري: اللين الغض، وجرو الذئب: صغيره، واليتمان: لغة في اليتيم، وهي موضع الشاهد في البيت.
[7554]:أخرجه أبو داود في الوصايا، ولفظه فيه: (لا يتم بعد احتلام)، أي: بلوغ.
[7555]:من الآية (6) من سورة (النساء).
[7556]:من الآية (188) من سورة (البقرة).
[7557]:لاط الحوض بالطين: طلاه وملسه به.
[7558]:جذ النخل جذا: قطع ثمره وجناه.
[7559]:نشد الضالة: طلبها وبحث عنها.
[7560]:النسل: الولد والذرية، وجمعه أنسال، والمراد هنا: النتاج.
[7561]:أي: غير مبالغ في الحلب بحيث يجهد الدابة المحلوبة، يقال: نهك الضرع إذا بالغ في حلبه حتى استوفى جميع ما فيه.
[7562]:البلغة: ما يكفي لسد الحاجة ولا يفضل عنها.
[7563]:أي: لا يأخذ إلا أقل شيء.
[7564]:راجع الجزء الثالث صفحة 498 وما بعدها.
[7565]:من الآية (220) من سورة (البقرة).
[7566]:في اللسان (شدد): "قال أبو عبيد: واحدها شد في القياس، قال: ولم أسمع لها بواحدة، وقال سيبويه: واحدتها شدة، كنعمة وأنعم، ابن جني: جاء على حذف التاء كما كان ذلك في نعمة وأنعم"، تأمل هذا وتأمل قول ابن عطية عن سيبويه.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَا تَقۡرَبُواْ مَالَ ٱلۡيَتِيمِ إِلَّا بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ حَتَّىٰ يَبۡلُغَ أَشُدَّهُۥۚ وَأَوۡفُواْ بِٱلۡعَهۡدِۖ إِنَّ ٱلۡعَهۡدَ كَانَ مَسۡـُٔولٗا} (34)

{ وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ اليتيم إِلاَّ بالتى هِىَ أَحْسَنُ حتى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ }

هذا من أهم الوصايا التي أوصى الله بها في هذه الآيات ، لأن العرب في الجاهلية كانوا يستحلون أموال اليتامى لضعفهم عن التفطن لمن يأكل أموالهم وقلة نصيرهم لإيصال حقوقهم ، فحذر الله المسلمين من ذلك لإزالة ما عسى أن يبقى في نفوسهم من أثر من تلك الجاهلية . وقد تقدم القول في نظير هذه الآية في سورة الأنعام . وهذه الوصية العاشرة .

والقول في الإتيان بضمير الجماعة المخاطبين كالقول في سابِقيه لأن المنهي عنه من أحوال أهل الجاهلية .

{ وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا }

أمروا بالوفاء بالعهد . والتعريف في { العهد } للجنس المفيد للاستغراق يشمل العهد الذي عاهدوا عليه النبي ، وهو البيعة على الإيمان والنصر . وقد تقدم عند قوله تعالى : { وإوفوا بعهد الله إذا عاهدتم } في سورة النحل ( 91 ) وقوله : { وبعهد الله أوفوا } في سورة الأنعام ( 152 .

وهذا التشريع من أصول حرمة الأمة في نظر الأمم والثقةِ بها للانزواء تحت سلطانها . وقد مضى القول فيه في سورة الأنعام . والجملة معطوفة على التي قبلها . وهي من عداد ما وقع بعد ( أن ) التفسيرية من قوله : { ألا تعبدوا } الآيات [ الإسراء : 23 ] . وهي الوصية الحادية عشرة .

وجملة { إن العهد كان مسؤولا } تعليل للأمر ، أي للإيجاب الذي اقتضاه ، وإعادة لفظ { العهد } في مقام إضماره للاهتمام به ، ولتكون هذه الجملة مستقلة فتسري مسرى المثل .

وحُذف متعلق { مسؤولا } لظهوره ، أي مسؤولاً عنه ، أي يسألكم الله عنه يوم القيامة .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَلَا تَقۡرَبُواْ مَالَ ٱلۡيَتِيمِ إِلَّا بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ حَتَّىٰ يَبۡلُغَ أَشُدَّهُۥۚ وَأَوۡفُواْ بِٱلۡعَهۡدِۖ إِنَّ ٱلۡعَهۡدَ كَانَ مَسۡـُٔولٗا} (34)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن}، إلا لتنمي ماله بالأرباح...

{حتى يبلغ أشده}، يعني: ثماني عشرة سنة،

{وأوفوا بالعهد} فيما بينكم وبين الناس،

{إن العهد} إذا نقض، {كان مسئولا}، يقول: الله سائلكم عنه في الآخرة...

تفسير الإمام مالك 179 هـ :

{ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن}. ابن عطية: قال مالك رحمه الله: يأخذ منه بقدر تعبه.

{حتى يبلغ أشده}.

ابن رشد: قال مالك:... فالأشُد هاهنا: الحُلُم...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: وقضى أيضا أن لا تقربوا مال اليتيم بأكل، إسرافا وبدارا أن يَكْبَروا، ولكن اقرَبوه بالفَعْلَة التي هي أحسن، والخَلّة التي هي أجمل، وذلك أن تتصرّفوا فيه له بالتثمير والإصلاح والحيطة...

"حتى يَبْلُغَ أشُدّهُ" يقول: حتى يبلغ وقت اشتداده في العقل، وتدبير ماله، وصلاح حاله في دينه.

"وأوْفُوا بالعَهْدِ" يقول: وأوفوا بالعقد الذي تعاقدون الناس في الصلح بين أهل الحرب والإسلام، وفيما بينكم أيضا، والبيوع والأشربة والإجارات، وغير ذلك من العقود.

"إنّ العَهْدَ كانَ مَسْئُولاً" يقول: إن الله جلّ ثناؤه سائل ناقض العهد عن نقضه إياه، يقول: فلا تنقصوا العهود الجائزة بينكم، وبين من عاهدتموه أيها الناس فتخفروه، وتغدروا بمن أعطيتموه ذلك. وإنما عنى بذلك أن العهد كان مطلوبا...

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

{إلاّ بالتي هي أحسن} قولان:

أحدهما: حفظ أصوله وتثمير فروعه، وهو محتمل.

الثاني: أن التي هي أحسن التجارة له بماله...

{حتى يَبْلُغَ أَشدَّه} وفي الأشد وجهان:

أحدهما: أنه القوة.

الثاني: المنتهى...

وفي زمانه ها هنا قولان:

أحدهما: ثماني عشرة سنة.

والثاني: الاحتلام مع سلامة العقل وإيناس الرشد...

{وأوفوا بالعهد} فيه ثلاثة تأويلات:

أحدها: أنها العقود التي تنعقد بين متعاقدين يلزمهم الوفاء بها، وهذا قول أبي جعفر الطبري.

الثاني: أنه العهد في الوصية بمال اليتيم يلزم الوفاء به.

الثالث: أنه كل ما أمر الله تعالى به أو نهى فهو من العهد الذي يلزم الوفاء به...

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

في الآية الأولى نهي من الله تعالى لجميع المكلفين أن يقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن، وهو أن يحفظوا عليه ويثمروه أو ينفقوا عليه بالمعروف على مالا يشك أنه أصلح له، فأما لغير ذلك، فلا يجوز لأحد التصرف فيه...

أحكام القرآن لابن العربي 543 هـ :

{إلَّا بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}: يَعْنِي الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ لِلْيَتِيمِ، وَذَلِكَ بِكُلِّ وَجْهٍ تَكُونُ الْمَنْفَعَةُ فِيهِ لِلْيَتِيمِ، لَا لِلْمُتَصَرِّفِ فِيهِ...

قَوْلُهُ: {حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} يَعْنِي قُوَّتَهُ... وَالْأَشُدُّ كَمَا قُلْنَا فِي الْقُوَّةِ، وَقَدْ تَكُونُ فِي الْبَدَنِ. وَقَدْ تَكُونُ فِي الْمَعْرِفَةِ وَالتَّجْرِبَةِ، وَلَا بُدَّ من حُصُولِ الْوَجْهَيْنِ؛ فَإِنَّ الْأَشُدَّ هَاهُنَا وَقَعَتْ مُطْلَقَةً...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما نهى عن الإغارة على الأرواح والأبضاع التي هي سببها، أتبعه النهي عن نهب ما هو عديلها، لأن به قوامها، وهو الأموال، وبدأ بأحق ذلك بالنهي لشدة الطمع فيه لضعف مالكه فقال تعالى: {ولا تقربوا} أي فضلاً عن أن تأكلوا {مال اليتيم} فعبر بالقربان الذي هو قبل الأخذ تعظيماً للمقام {إلا بالتي هي أحسن} من طرائق القربان، وهو التصرف فيه بالغبطة تثميراً لليتيم {حتى يبلغ} اليتيم {أشده} وهو إيناس الرشد منه بعد بلوغه.

ولما كانت الوصية نوعاً من أنواع العهد، أمر بوفاء ما هو أعم منها فقال تعالى: {وأوفوا} أي أوقعوا هذا الجنس في الزمان والمكان، وكل ما يتوقف عليه الأمر المعاهد عليه ويتعلق به {بالعهد} أي بسببه ليتحقق الوفاء به ولا يحصل فيه نقص ما، وهو العقد الذي يقدم للتوثق.

ولما كان العلم بالنكث والوفاء متحققاً، كان العهد نفسه كأنه هو المسؤول عن ذلك، فيكون رقيباً على الفاعل به، فقال تعالى مرهباً من المخالفة: {إن العهد كان} أي كوناً مؤكداً عنه {مسؤولاً} أي عن كل من عاهد هل وفى به؟ أو مسؤولاً عنه من كل من يتأتى منه السؤال.

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :

الإيفاءُ بالعهد والوفاءُ به هو القيامُ بمقتضاه والمحافظةُ عليه ولا يكاد يُستعمل إلا بالباء فرقاً بينه وبين الإيفاء الحسيِّ كإيفاء الكيل والوزن...

{إِنَّ العهد} أُظهر في مقام الإضمارِ إظهاراً لكم والعنايةِ بشأنه، أو لأن المرادَ مطلقُ العهد المنتظمِ للعهد المعهود...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

مما يلاحظ في هذه الأوامر والنواهي أن الأمور التي يكلف بها كل فرد بصفته الفردية جاء الأمر أو النهي فيها بصيغة المفرد؛ أما الأمور التي تناط بالجماعة فقد جاء الأمر أو النهي فيها بصيغة الجمع، ففي الإحسان للوالدين وإيتاء ذي القربى والمسكين وابن السبيل، وعدم التبذير، والتوسط في الإنفاق بين البخل والسرف، وفي التثبت من الحق والنهي عن الخيلاء والكبر.. كان الأمر أو النهي بصيغة المفرد لما لها من صبغة فردية. وفي النهي عن قتل الأولاد وعن الزنا وعن قتل النفس، والأمر برعاية مال اليتيم والوفاء بالعهد، وإيفاء الكيل والميزان كان الأمر أو النهي بصيغة الجمع لما لها من صبغة جماعية...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

هذا من أهم الوصايا التي أوصى الله بها في هذه الآيات، لأن العرب في الجاهلية كانوا يستحلون أموال اليتامى لضعفهم عن التفطن لمن يأكل أموالهم وقلة نصيرهم لإيصال حقوقهم، فحذر الله المسلمين من ذلك لإزالة ما عسى أن يبقى في نفوسهم من أثر من تلك الجاهلية... والقول في الإتيان بضمير الجماعة المخاطبين كالقول في سابِقيه لأن المنهي عنه من أحوال أهل الجاهلية... والتعريف في {العهد} للجنس المفيد للاستغراق يشمل العهد الذي عاهدوا عليه النبي، وهو البيعة على الإيمان والنصر... والجملة معطوفة على التي قبلها. وهي من عداد ما وقع بعد (أن) التفسيرية من قوله: {ألا تعبدوا} الآيات [الإسراء: 23]... وجملة {إن العهد كان مسؤولا} تعليل للأمر، أي للإيجاب الذي اقتضاه...

زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :

الأشُد هو القوة العالية على صيغة الجمع من غير مفرد وقيل له مفرد وهو شدة بمعنى قوة ولكن لم يعهد جمع فعلة على افعل، وقيل يجمع على أشد مثل كلب وأكلب... وقد يسال سائل لماذا اجتمع الأمر بالأمر بالوفاء بالعهد مع النهي عن قرب مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن في آية واحدة؟ ونقول: إن ذلك يشير أولا أن اليتيم مع كافله كأنه في عهد أمانة عاهد الله تعالى عليه فلا يضيع ذلك العهد، ويشير ثانيا إلى أن العقد في مال اليتيم يجب الوفاء به كما يجب الوفاء في مال غيره، ويشير ثالثا إلى أنه مسئول أمام الله عما فعل في مال اليتيم...

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

وهنا أيضاً يقول الحق سبحانه: {ولا تقربوا}: ولم يقل: ولا تأكلوا مال اليتيم ليحذرنا من مجرد الاقتراب، أو التفكير في التعدي عليه؛ لأن اليتم مظهر من مظاهر الضعف لا صح أن تجترئ عليه.. و (أحسن) أفعل تفضيل تدل على الزيادة في الإحسان فكأن لدينا صفتين ممدوحتين: حسنة وأحسن، وكأن المعنى: لا تقربوا مال اليتيم بالطريقة الحسنة فحسب، بل بالطريقة الأحسن. فما الطريقة الحسنة؟ وما الطريقة الأحسن؟ الطريقة الحسنة: أنك حين تقرب مال اليتيم لا تبدده ولا تتعدى عليه. لكن الأحسن: أن تنمي له هذا المال وتثمره وتحفظه له، إلى أن يكون أهلاً للتصرف فيه. لذلك فالحق سبحانه حينما تكلم عن هذه المسألة قال: {وارزقوهم فيها.. "5 "} (سورة النساء): ولم يقل: وارزقوهم منها؛ لأن الرزق منها ينقصها، لكن معنى: {وارزقوهم فيها.. "5 "} (سورة النساء): أي: من ريعها وربحها، وليس من رأس المال... وكلمة (أشده) أي: يبلغ شدة تكوينه، ويبلغ الأشد أي: تستوي ملكاته استواءً لا زيادة عليه... (العهد) ما تعاقد الإنسان عليه مع غيره عقداً اختيارياً يلتزم هو بنتائجه ومطلوباته، وأول عقد أبرم هو العقد الإيماني الذي أخذه الله تعالى علينا جميعاً... ومن باطن هذا العهد الإيماني تنشأ كل العقود، لذلك يجب الوفاء بالعهود؛ لأن الوفاء بها جزء من الإيمان... العهد الذي نعقده مع الناس يدخل تحت المسئولية الدينية وليس القضائية...

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

{وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ}: أتموا العهد ولا تنقضوا حفظه...

{وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ} أي لا تتصرفوا فيه بأيِّ نحو من أنحاء التصرفات العملية والقانونية، وذلك على سبيل الكناية، في التأكيد على المنع عن التصرف، بالتركيز على المنع عن القرب منه... والظاهر أن المقصود بالأحسن، هو الأفضل من عدمه، لا الأعلى على جميع المستويات، لأن ذلك ليس بمقصود، على الظاهر... المصطلح الشرعي لليتيم يُراد به الذي لم يبلغ الحلم، فإذا بلغ الحلم فلا يُتم... {وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ} وهو الالتزام الذي يُلزم به الإنسان نفسه، من خلال مبادرة ذاتية، أو بالتزامه برسالة أو منهج يلزمه بذلك، فيشمل العهود التعاقدية في المعاملات المالية، أو في العلاقات الإنسانية، أو في المعاهدات الدولية، أو في المسؤوليات الشرعية... إذا التزم بعهد غير شرعي، فلا يجوز له الوفاء به، لأن قضية الوفاء تتحرك في خطين: مسؤولية الإنسان أمام الإنسان الآخر، ومسؤولية الإنسان أمام الله، في ما يجب عليه، وما لا يجب أو لا يجوز، كما إذا كان التزاماً بفعل حرام، أو خيانة الدين أو الأمة...