إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَلَا تَقۡرَبُواْ مَالَ ٱلۡيَتِيمِ إِلَّا بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ حَتَّىٰ يَبۡلُغَ أَشُدَّهُۥۚ وَأَوۡفُواْ بِٱلۡعَهۡدِۖ إِنَّ ٱلۡعَهۡدَ كَانَ مَسۡـُٔولٗا} (34)

{ وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ اليتيم } نهيٌ عن قربانه لما ذكر من المبالغة في النهي عن التعرض له ومن إفضاء ذلك إليه وللتوسل إلى الاستثناء بقوله تعالى : { إِلاَّ بالتي هي أَحْسَنُ } أي إلا بالخَصلة والطريقة التي هي أحسنُ الخِصال والطرائق وهي حفظُه واستثماره { حتى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ } غايةٌ لجواز التصرفِ على الوجه الأحسن المدلولِ عليه بالاستثناء لا للوجه المذكور فقط { وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ } سواءٌ جرى بينكم وبين ربِّكم أو بينكم وبين غيرِكم من الناس ، والإيفاءُ بالعهد والوفاءُ به هو القيامُ بمقتضاه والمحافظةُ عليه ولا يكاد يُستعمل إلا بالباء فرقاً بينه وبين الإيفاء الحسيِّ كإيفاء الكيل والوزن { إِنَّ العهد } أُظهر في مقام الإضمارِ إظهاراً لكم والعنايةِ بشأنه ، أو لأن المرادَ مطلقُ العهد المنتظمِ للعهد المعهود { كَانَ مسؤولا } أي مسؤولا عنه على حذف الجارِّ وجعْلِ الضمير بعد انقلابه مرفوعاً مستكناً في اسم المفعولِ كقوله تعالى : { وذلك يَوْمٌ مَّشْهُودٌ } أي مشهودٌ فيه ، ونظيرُه ما في قوله تعالى : { تِلْكَ آيات الكتاب الحكيم } على أن أصلَه الحكيمُ قائلُه فحذف المضافُ وجُعل الضمير مستكناً في الحكيم بعد انقلابه مرفوعاً ، ويجوز أن يكون تخييلاً كأنه يقال للعهد : لم نكثتَ وهلاّ وفَّى بك تبكيتاً للناكث كما يقال للموؤدة : بأي ذنبٍ قُتلت .