تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَلَا تَقۡرَبُواْ مَالَ ٱلۡيَتِيمِ إِلَّا بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ حَتَّىٰ يَبۡلُغَ أَشُدَّهُۥۚ وَأَوۡفُواْ بِٱلۡعَهۡدِۖ إِنَّ ٱلۡعَهۡدَ كَانَ مَسۡـُٔولٗا} (34)

الآية34 : وقوله تعالى : { ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن } قوله : { أحسن } هو أفعل ، فإن كان في الإشكال{[10879]} فهو على غاية الحسن ، وإن كان في الجوهرين فهو على طلب الحسن كقوله : { واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم } ( الزمر : 55 )أي اتبعوا{[10880]} ما هو طاعة ؛ كأنه قال : { ولا تقربوا مال اليتيم إلا } ما هو خير له وحسن ، وهو ما قال : { ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا }( النساء : 6 )يقول : لا تأكلوا إسرافا وبدارا ، ولكن اقربوا ما هو خير له . وإن كان على طلب الغاية من الحسن فهو ما قاله أبو حنيفة ، رحمه الله ، إذ قرب مال اليتيم لمنفعة نفسه فلا يقربه إلا لمنفعة حاضرة لليتيم ، لا يقرب ماله لمنفعة مرجوة له ، وإن لم يكن فيه منفعة حاضرة . وقد ذكرنا تأويله وما فيه من الدلالة بقول أبي حنيفة ، رحمه الله ، في ما تقدم في سورة الأنعام( الآية : 152 ) .

ثم من الناس من احتج له ، لأن له أن يبيع من غيره بمثل قيمته ، فدل أن ذكر الخير له إذا كان يبيع من نفسه .

وقوله تعالى : { ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن } كأنه على الإضمار ، أي لا تقربوا مال اليتيم إلا بالوجوه التي هي أحسن له وأنفع ، وهو الحفظ له ، وطلب الربح والنماء والله أعلم .

وقوله تعالى : { حتى يبلغ أشده } أي حتى يستحكم عقله ويشتد تدبيره في ماله وأمره ، فعند ذلك يكون الأمر إليه . وليس فيه أنه لا يكون بعد ذلك الأمر إلى الوصي ، إن كان ولكن بإذنه يبيع ، ويشتري .

وقوله تعالى : { وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا } يحتمل أن يكون قوله { بالعهد } العهود والمواثيق بين الناس ، أمرهم{[10881]} بوفاء العهد ، ما ذكر في هذه الآيات من الأمر والنهي من نحو ما قال : { وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا }( الإسراء : 23 )إلى هذا الموضع ، أي وأوفوا بذلك كله فإن ذلك كله{ كان مسئولا } يسأل عنه : وفاء كان ذلك أو نقضا .

وقال بعضهم : { إن العهد كان مسئولا } أي ناقض العهد كان مسؤولا .

ثم إن العهد على وجوه : أحدهما عهد ( الخلقة ، والثاني ){[10882]} العهد الذي أخذ عليهم على السن الرسل ، والثالث{[10883]} العهد الذي بين الناس ، والله أعلم .


[10879]:من م، في الأصل : الإنكار.
[10880]:في الأصل و.م:اتبع.
[10881]:في الأصل و.م: أمروا.
[10882]:في الأصل و.م : خلقة أو.
[10883]:في الأصل و.م: أو.