قوله تعالى : { اخرج منها مذؤوما مدحورا } ، أي : معيباً ، والذأم والذام أشد العيب ، يقال : ذامه يذامه ذاماً فهو مذؤوم وذامه يذيمه ذاماً فهو مذيم ، مثل : سار يسير سيراً . والمدحور : المبعد المطرود ، يقال : دحره يدحره دحراً إذا أبعده وطرده . قال ابن عباس : { مذؤوماً } أي ممقوتاً ، قال قتادة : { مذؤوماً مدحوراً } أي : لعيناً شقياً . وقال الكلبي : { مذؤوماً مدحوراً } : مقصياً من الجنة ومن كل خير .
قوله تعالى : { لمن تبعك منهم } ، من بني آدم .
قوله تعالى : { لأملأن جهنم } ، اللام لام القسم .
قوله تعالى : { منكم أجمعين } ، أي : منك ومن ذريتك ومن كفار ذرية آدم أجمعين .
أكد تعالى عليه اللعنة{[11613]} والطرد والإبعاد والنفي عن محل الملأ الأعلى بقوله : { اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا }
قال ابن جرير : أما " المذؤوُم " فهو المعيب ، والذّأم غير مشدَّد : العيب . يقال : " ذأمه يذأمه ذأما فهو مذءوم " . ويتركون الهمز فيقولون : " ذمْته أذيمه ذيما وذَاما ، والذام والذيم أبلغ في العيب من الذم " .
قال : " والمدحور " : المُقْصَى . وهو المبعد المطرود .
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : ما نعرف{[11614]} المذءوم " و " المذموم " إلا واحدًا .
وقال سفيان الثوري ، عن أبي إسحاق ، عن التميمي ، عن ابن عباس : { اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا } قال : مقيتا .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : صغيرا مقيتا . وقال السدي : مقيتا مطرودا . وقال قتادة : لعينا مقيتا . وقال مجاهد : منفيًا مطرودًا . وقال الربيع بن أنس : مذؤوما : منفيا ، والمدحور : المصغر{[11615]} .
وقوله تعالى : { لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ } كقوله { قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأمْوَالِ وَالأولادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلا غُرُورًا إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلا } [ الإسراء : 63 - 65 ] .
القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً مّدْحُوراً لّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأمْلأنّ جَهَنّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ } .
وهذا خبر من الله تعالى ذكره ، عن إحلاله بالخبيث عدوّ الله ما أحلّ به من نقمته ولعنته ، وطرده إياه عن جنته ، إذ عصاه وخالف أمره ، وراجعه من الجواب بما لم يكن له مراجعته به يقول : قال الله له عند ذلك : اخْرُجْ مِنْها أي من الجنة مَذْءُوما مَدْحُورا يقول : معيبا . والذأم : العيب ، يقال منه : ذأمه يذأمه ذأما فهو مذءوم ، ويتركون الهمز فيقولون : ذِمْتُه أذيمه ذيْما وذاما ، والذأم والذّيم أبلغ في العيب من الذمّ وقد أنشد بعضهم هذا البيت :
صَحِبْتُكَ إذْ عَيْنِي عَلَيْها غِشاوَةٌ ***فَلَمّا انْجَلَتْ قَطّعْتُ نَفْسِي أذِيمُها
وأكثر الرواة على إنشاهد «ألومها » . وأما المدحور : فهو المُقْصَى ، يقال : دحره يَدْحَره دَحْرا ودُحُورا : إذا أقصاه وأخرجه ومنه قولهم : ادحر عنك الشيطان .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : اخْرُجْ مِنْها مَذْءُوما مَدْحُورا يقول : اخرج منها لعينا منفيّا .
حدثنا المثنى ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس : مذءوما : ممقوتا .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْءُوما يقول : صغيرا منفيّا .
حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قوله : اخْرُجْ مِنْها مَذْءُوما مَدْحُورا : أما مذءوما : فمنفيّا ، وأما مدحورا : فمطرودا .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : مَذْءُوما قال : منفيّا مَدْحُورا قال : مطرودا .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، قوله : اخْرُجْ مِنْها مَذْءُوما قال : منفيّا ، والمدحور ، قال : المُصغّر .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن الزبير ، عن ابن عيينة ، عن يونس وإسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن التميمي ، عن ابن عباس : اخْرُجْ مِنْها مَذْءُوما قال : منفيّا .
حدثني أبو عمرو القرقساني عثمان بن يحيى ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن التميمي ، سأل ابن عباس : ما اخْرُجْ مِنْها مَذْءُوما مَدْحُورا قال : مقيتا .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : اخْرُجْ مِنْها مَذْءوما مَدْحُورا فقال : ما نعرف المذءوم والمذموم إلا واحدا ، ولكن يكون . . . منتقصة ، وقال العرب لعامر : يا عام ، ولحارث : يا حار ، وإنما أنزل القرآن على كلام العرب .
القول في تأويل قوله تعالى : لَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأَنّ جَهَنّمَ مِنْكُمْ أجْمَعِينَ .
وهذا قسم من الله جلّ ثناؤه : أقسم أن من اتبع من بني آدم عدوّ الله إبليس وأطاعه وصدق ظنه عليه أن يملأ من جميعهم ، يعني من كفرة بني آدم تبّاع إبليس ومن إبليس وذرّيته جهنم ، فرحم الله امرءا كذّب ظنّ عدوّ الله في نفسه ، وخيّب فيها أمله وأمنيته ، ولم يكن ممن أطمع فيها عدوّه ، واستغشّه ولم يستنصحه . وإن الله تعالى ذكره إنما نبه بهذه الاَيات عباده على قِدم عداوة عدوّه وعدوّهم إبليس لهم ، وسالف ما سلف من حسده لأبيهم ، وبغيه عليه وعليهم ، وعرّفهم مواقع نعمه عليهم قديما في أنفسهم ووالدهم ليدّبروا آياته ، وليتذكر أولو الألباب ، فينزجروا عن طاعة عدوّه وعدوّهم إلى طاعته وينيبوا إليها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.