معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَقَدۡ نَزَّلَ عَلَيۡكُمۡ فِي ٱلۡكِتَٰبِ أَنۡ إِذَا سَمِعۡتُمۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ يُكۡفَرُ بِهَا وَيُسۡتَهۡزَأُ بِهَا فَلَا تَقۡعُدُواْ مَعَهُمۡ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيۡرِهِۦٓ إِنَّكُمۡ إِذٗا مِّثۡلُهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ جَامِعُ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَٱلۡكَٰفِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا} (140)

قوله تعالى : { وقد نزل عليكم في الكتاب } ، قرأ عاصم ويعقوب { نزل } بفتح النول والزاي ، أي : نزل الله ، وقرأ الآخرون { نزل } بضم النون وكسر الزاي ، أي : عليكم يا معشر المسلمين .

قوله تعالى : { أن إذا سمعتم آيات الله } يعني القرآن .

قوله تعالى : { يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم } ، يعني : مع الذين يستهزئون . قوله تعالى : { حتى يخوضوا في حديث غيره } ، أي : يأخذوا في حديث غير الاستهزاء بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن ، وهذا إشارة إلى ما أنزل الله في سورة الأنعام { وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره } [ الأنعام :68 ] . وقال الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما : دخل في هذه الآية كل محدث في الدين ، وكل مبتدع إلى يوم القيامة .

قوله تعالى : { إنكم إذا مثلهم } ، أي : إن قعدتم عندهم وهم يخوضون ويستهزئون ورضيتم به فأنتم كفار مثلهم ، وإن خاضوا في حديث غيره فلا بأس بالقعود معهم مع الكراهة ، وقال الحسن : لا يجوز القعود معهم وإن خاضوا في حديث غيره ، لقوله تعالى : { وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين } ، والأكثرون على الأول ، وآية الأنعام مكية وهذه مدنية ، والمتأخر أولى .

قوله تعالى : { إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعاً } .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَقَدۡ نَزَّلَ عَلَيۡكُمۡ فِي ٱلۡكِتَٰبِ أَنۡ إِذَا سَمِعۡتُمۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ يُكۡفَرُ بِهَا وَيُسۡتَهۡزَأُ بِهَا فَلَا تَقۡعُدُواْ مَعَهُمۡ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيۡرِهِۦٓ إِنَّكُمۡ إِذٗا مِّثۡلُهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ جَامِعُ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَٱلۡكَٰفِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا} (140)

وقوله [ تعالى ]{[8475]} { وَقَدْ نزلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ } أي : إذا ارتكبتم النهي بعد وصوله إليكم ، ورضيتم بالجلوس معهم في المكان الذي يكفر فيه بآيات الله ويستهزأ وينتقص بها ، وأقررتموهم على ذلك ، فقد شاركتموهم في الذي هم فيه . فلهذا قال تعالى : { إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ } [ أي ]{[8476]} في المأثم ، كما جاء في الحديث : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يُدَار عليها الخَمْر " {[8477]} .

والذي أحيل عليه في هذه الآية من النهي في{[8478]} ذلك ، هو قوله تعالى في سورة الأنعام ، وهي مكية : { وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ [ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ] {[8479]} } [ الأنعام : 68 ] قال مقاتل بن حيان : نَسَخَت هذه الآية التي في الأنعام . يعني نُسخَ قوله : { إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ } لقوله { وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } [ الأنعام : 69 ] .

وقوله : { إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا } أي : كما أشركوهم{[8480]} في الكفر ، كذلك شارك الله بينهم{[8481]} في الخلود في نار جهنم أبدا ، وجمع بينهم في دار العقوبة والنكال ، والقيود والأغلال . وشراب{[8482]} الحميم والغِسْلين لا الزّلال .


[8475]:زيادة من ر، أ.
[8476]:زيادة من ر، أ.
[8477]:رواه الترمذي في سننه برقم (2801) من حديث جابر، وفي إسناده ليث بن أبي سليم ضعيف، ورواه أحمد في المسند (1/20) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وفي إسناده مجهول، ورواه الطبراني في المعجم الكبير (11/191) من حديث عبد الله ابن عباس، وفي إسناده يحيى بن أبي سليمان وهو ضعيف.
[8478]:في ر: "عن".
[8479]:زيادة من: ر، أ، وفي ه: "الآية".
[8480]:في ر، أ: "اشتركوا".
[8481]:في أ: "عليهم".
[8482]:في ر، أ: "وشرب".