معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{۞يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُواْ قَوَّـٰمِينَ بِٱلۡقِسۡطِ شُهَدَآءَ لِلَّهِ وَلَوۡ عَلَىٰٓ أَنفُسِكُمۡ أَوِ ٱلۡوَٰلِدَيۡنِ وَٱلۡأَقۡرَبِينَۚ إِن يَكُنۡ غَنِيًّا أَوۡ فَقِيرٗا فَٱللَّهُ أَوۡلَىٰ بِهِمَاۖ فَلَا تَتَّبِعُواْ ٱلۡهَوَىٰٓ أَن تَعۡدِلُواْۚ وَإِن تَلۡوُۥٓاْ أَوۡ تُعۡرِضُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٗا} (135)

قوله تعالى : { وكان الله سميعا بصيرا يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله } . يعني : كونوا قائمين بالشهادة بالقسط ، أي : بالعدل لله . وقال ابن عباس رضي الله عنهما : ( كونوا قوامين بالعدل ) في الشهادة على من كانت له .

قوله تعالى : { ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين } في الرحم ، أي : قولوا الحق ولو على أنفسكم بالإقرار ، أو الوالدين والأقربين ، فأقيموها عليهم ، ولا تحابوا غيناً لغناه ، ولا ترحموا فقيراً لفقره ، فذلك قوله تعالى : { إن يكن غنياً أو فقيراً فالله أولى بهما } ، منكم ، أي أقيموا على المشهود عليه وإن كان غنياً ، وللمشهود له وإن كان فقيراً ، فالله أولى بهما منكم ، أي كلوا أمرهما إلى الله . وقال الحسن : معناه الله أعلم بهما .

قوله تعالى : { فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا } ، أي تجوروا ، وتميلوا إلى الباطل من الحق ، وقيل : معناه لا تتبعوا الهوى لتعدلوا ، أي : لتكونوا عادلين ، كما يقال : لا تتبع الهوى لترضي ربك .

قوله تعالى : { وإن تلووا } أي : تحرفوا الشهادة لتبطلوا الحق .

قوله تعالى : { أو تعرضوا } عنها فتكتموها ، ولا تقيموها ، ويقال : تلووا أي تدافعوا في إقامة الشهادة ، يقال : لويته حقه إذا حقه إذا دفعته ، وأبطلته ، وقيل : هذا خطاب مع الحكام في ليهم الاشداق ، يقول : ( وإن تلووا ) أي تميلوا إلى أحد الخصمين ، أو تعرضوا عنه ، قرأ ابن عامر وحمزة { تلوا } بضم اللام ، قيل : أصله تلووا ، فحذفت إحدى الواوين تخفيفاً . وقيل : معناه وإن تلوا القيام بأداء الشهادة ، أو تعرضوا فتتركوا أداءها .

قوله تعالى : { فإن الله كان بما تعملون خبيرا } .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{۞يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُواْ قَوَّـٰمِينَ بِٱلۡقِسۡطِ شُهَدَآءَ لِلَّهِ وَلَوۡ عَلَىٰٓ أَنفُسِكُمۡ أَوِ ٱلۡوَٰلِدَيۡنِ وَٱلۡأَقۡرَبِينَۚ إِن يَكُنۡ غَنِيًّا أَوۡ فَقِيرٗا فَٱللَّهُ أَوۡلَىٰ بِهِمَاۖ فَلَا تَتَّبِعُواْ ٱلۡهَوَىٰٓ أَن تَعۡدِلُواْۚ وَإِن تَلۡوُۥٓاْ أَوۡ تُعۡرِضُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٗا} (135)

يأمر تعالى عباده المؤمنين أن يكونوا قوامين بالقسط ، أي بالعدل ، فلا يعدلوا عنه يمينا ولا شمالا ولا تأخذهم في الله{[8464]} لومة لائم ، ولا يصرفهم عنه صارف ، وأن يكونوا متعاونين متساعدين متعاضدين متناصرين فيه .

وقوله : { شُهَدَاءَ لِلَّهِ } كَمَا قَالَ { وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ } أي : ليكن أداؤها ابتغاء وجه الله ، فحينئذ تكون صحيحة عادلة حقا ، خالية من التحريف والتبديل والكتمان ؛ ولهذا قال : { وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ } أي : اشهد الحق{[8465]} ولو عاد ضررها عليك وإذا سُئِلت عن الأمر فقل الحق فيه ، وإن كان مَضرة عليك ، فإن الله سيجعل لمن أطاعه فرجا ومخرجا من كل أمر يضيق عليه .

وقوله : { أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ } أي : وإن كانت الشهادة على والديك وقرابتك ، فلا تُراعهم فيها ، بل اشهد بالحق وإن عاد ضررها عليهم ، فإن الحق حاكم على كل أحد ، وهو مقدم على كل أحد .

وقوله : { إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا } أي : لا ترعاه{[8466]} لغناه ، ولا تشفق عليه لفقره ، الله يتولاهما ، بل هو أولى بهما منك ، وأعلم بما فيه صلاحهما .

وقوله { فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا } أي : فلا يحملنكم الهوى والعصبية وبغْضَة الناس إليكم ، على ترك العدل في أموركم وشؤونكم ، بل الزموا العدل على أي حال كان ، كما قال تعالى : { ولا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَنْ لا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى } [ المائدة : 8 ]

ومن هذا القبيل قول عبد الله بن رواحة ، لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم يخرص على أهل خيبر ثمارهم وزرعهم ، فأرادوا أن يُرْشُوه ليرفق بهم ، فقال : والله لقد جئتكم من عند أحب الخلق إليَّ ، ولأنتم أبغض إليَّ من أعدادكم من القردة والخنازير ، وما يحملني حُبي إياه وبغضي لكم على ألا أعدل فيكم . فقالوا : " بهذا قامت السماوات والأرض " . وسيأتي الحديث مسندا في سورة المائدة ، إن شاء الله [ تعالى ]{[8467]} .

وقوله : { وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا } قال مجاهد وغير واحد من السلف : { تَلْوُوا } أي : تحرفوا الشهادة وتغيروها ، " واللّي " هو : التحريف وتعمد الكذب ، قال الله تعالى : { وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ [ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ] {[8468]} } [ آل عمران : 78 ] . و " الإعراض " هو : كتمان الشهادة وتركها ، قال الله تعالى : { وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ } [ البقرة : 283 ] وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " خير الشهداء الذي يأتي بشهادته قبل أن يُسألها " . ولهذا توعدهم الله بقوله : { فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا } أي : وسيجازيكم بذلك .


[8464]:في ر: "لا يأخذهم في الحق لومة لائم".
[8465]:في ر: "بالحق".
[8466]:في أ: "لا يرضاه".
[8467]:زيادة من: أ.
[8468]:زيادة من ر، أ، وفي هـ: "الآية".