غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَقَدۡ نَزَّلَ عَلَيۡكُمۡ فِي ٱلۡكِتَٰبِ أَنۡ إِذَا سَمِعۡتُمۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ يُكۡفَرُ بِهَا وَيُسۡتَهۡزَأُ بِهَا فَلَا تَقۡعُدُواْ مَعَهُمۡ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيۡرِهِۦٓ إِنَّكُمۡ إِذٗا مِّثۡلُهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ جَامِعُ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَٱلۡكَٰفِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا} (140)

127

قال المفسرون : إنّ المشركين كانوا بمكة يخوضون في ذكر القرآن في مجالسهم فيستهزؤن به وبين أظهرهم المسلمون ولا يتهيّأ لهم حينئذِ الإنكار عليهم ظاهراً فنزلت إذا ذاك . { وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره } فكان أحبار اليهود بالمدينة يفعلون نحو فعل المشركين ويجالسهم بعض المنافقين فأنزل الله تعالى في هؤلاء المنافقين { وقد نزل عليكم في الكتاب } معنى آية الأنعام { أن إذا سمعتم آيات الله } هي المخففة من الثقيلة وضمير الشأن مقدر والمعنى أنه إذا سمعتم آيات الله حال كونها يكفر بها ويستهزأ بها . وقال الكسائي : المعنى إذا سمعتم الكفر بآيات الله والاستهزاء بها ، ولكن أوقع فعل السماع على الآيات كما يقال : سمعت عبد الله يلام وفيه نظر ، لأنّ إيقاع فعل السماع على الآيات ممكن بخلاف إيقاعه على عبد الله . { إنكم } أيها المنافقون { إذا مثلهم } مثل الأحبار في الكفر و " إذن " ههنا ملغاة لوقوعها بين الاسم والخبر ولذلك لم يذكر بعدها الفعل أي إذن تكونوا مثلهم ، وأفرد { مثلهم } لأنها في معنى المصدر نحو { أنؤمن لبشرين مثلنا }[ المؤمنون :47 ] وقد جمع في قوله :{ ثم لا يكونوا أمثالكم }[ محمد :38 ] وإنما لم يحكم بكفر المسلمين بمكة لمجالسة المشركين الخائضين وحكم بنفاق هؤلاء بالمدينة لمجالسة أحبار اليهود الخائضين ، لأن مجالسة أولئك المسلمين كانت للضرورة وفي أوان ضعف الإسلام ولم يرد نهي بعد ، ومجالسة هؤلاء المنافقين كانت في وقت الاختيار وقوة الإسلام وبعد ورود النهي . قال أهل العلم : في الآية دليل على أن من رضي بالكفر فهو كافر ، ومن رضي بمنكر يراه وخالط أهله وإن لم يباشر كان شريكهم في الإثم .

ثم حقق كون المنافقين مثل الكافرين بقوله : { إنّ الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعاً } يعني القاعدين والمقعود معهم . والضمير في { معهم } يعود إلى الكافرين المستهزئين بدلالة { يكفر بها ويستهزأ بها } وأراد { جامع } بالتنوين لأنه بعد ما جمعهم ولكن حذف التنوين تخفيفاً في اللفظ . والمعنى أنهم كما اجتمعوا على الاستهزاء بآيات الله في الدنيا فكذلك يجتمعون في عذاب جهنم يوم القيامة ومثله قوله صلى الله عليه وسلم : " المرء مع من أحب " .

/خ141