معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أَفَمَن كَانَ مُؤۡمِنٗا كَمَن كَانَ فَاسِقٗاۚ لَّا يَسۡتَوُۥنَ} (18)

قوله عز وجل :{ أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون } نزلت في علي بن أبي طالب والوليد بن عقبة بن أبي معيط أخي عثمان لأمه ، وذلك أنه كان بينهما تنازع وكلام في شيء ، فقال الوليد بن عقبة لعلي اسكت فإنك صبي وأنا والله أبسط منك لساناً ، وأحد منك سناناً ، وأشجع منك جناناً ، وأملأ حشواً في الكتيبة . فقال له علي : اسكت فإنك فاسق ، فأنزل الله تعالى : { أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون } ولم يقل : لا يستويان ، لأنه لم يرد مؤمناً واحداً وفاسقاً واحداً ، بل أراد جميع المؤمنين وجميع الفاسقين .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{أَفَمَن كَانَ مُؤۡمِنٗا كَمَن كَانَ فَاسِقٗاۚ لَّا يَسۡتَوُۥنَ} (18)

فيه ثلاث مسائل :

الأولى- قوله تعالى : " أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا " أي ليس المؤمن كالفاسق ؛ فلهذا آتينا هؤلاء المؤمنين الثواب العظيم . قال ابن عباس وعطاء بن يسار : نزلت الآية في علي ابن أبي طالب والوليد بن عقبة بن أبي معيط ، وذلك أنهما تلاحيا{[12677]} فقال له الوليد : أنا أبسط منك لسانا وأحد سنانا وأرد للكتيبة - وروي وأملأ في الكتيبة - جسدا . فقال له علي : اسكت ! فإنك فاسق ، فنزلت الآية . وذكر الزجاج والنحاس أنها نزلت في علي وعقبة بن أبي مُعيط . قال ابن عطية : وعلى هذا يلزم أن تكون الآية مكية ؛ لأن عقبة لم يكن بالمدينة ، وإنما قتل في طريق مكة منصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر . ويعترض القول الآخر بإطلاق اسم الفسق على الوليد . وذلك يحتمل أن يكون في صدر إسلام الوليد لشيء كان في نفسه ، أو لما روي من نقله عن بني المصطلق ما لم يكن ، حتى نزلت فيه : " إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا " {[12678]} [ الحجرات : 6 ] على ما يأتي في الحجرات بيانه . ويحتمل أن تطلق الشريعة ذلك عليه ؛ لأنه كان على طرف مما يبغي . وهو الذي شرب الخمر في زمن عثمان رضي الله عنه ، وصلى الصبح بالناس ثم التفت وقال : أتريدون أن أزيدكم ، ونحو هذا مما يطول ذكره .

الثانية- لما قسم الله تعالى المؤمنين والفاسقين الذين فسقهم بالكفر - لأن التكذيب في آخر الآية يقتضي ذلك - اقتضى ذلك نفي المساواة بين المؤمن والكافر ؛ ولهذا منع القصاص بينهما ؛ إذ من شرط وجوب القصاص المساواة بين القاتل والمقتول . وبذلك احتج علماؤنا على أبي حنيفة في قتله المسلم بالذمي . وقال : أراد نفي المساواة ها هنا في الآخرة في الثواب وفي الدنيا في العدالة . ونحن حملناه على عمومه ، وهو أصح ، إذ لا دليل يخصه . قاله ابن العربي .

الثالثة-قوله تعالى : " لا يستوون " قال الزجاج وغيره : " من " يصلح للواحد والجمع . النحاس : لفظ " من " يؤدي عن الجماعة ؛ فلهذا قال : " لا يستوون " . هذا قول كثير من النحويين . وقال بعضهم : " لا يستوون " الاثنين ؛ لأن الاثنين جمع ؛ لأنه واحد جمع مع آخر . وقاله الزجاج أيضا . والحديث يدل على هذا القول ؛ لأنه عن ابن عباس وغيره قال : نزلت " أفمن كان مؤمنا " في علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، " كمن كان فاسقا " في الوليد بن عقبة بن أبي معيط . وقال الشاعر :

أليس الموت بينهما سواء *** إذا ماتوا وصاروا في القبور


[12677]:الملاحاة: المقاولة والمخاصمة.
[12678]:راجع ج 16 ص 311.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{أَفَمَن كَانَ مُؤۡمِنٗا كَمَن كَانَ فَاسِقٗاۚ لَّا يَسۡتَوُۥنَ} (18)

ولما كانوا أهل بلاغة ولسن ، وبراعة : وجدل ، فكان ربما قال متعنتهم : ما له إذا كان ما تزعمون من أنه لا يبالي بشيء ولا ينقص من خزائنه شيء وهو العزيز الرحيم ، لا يسوي بين الكل في إدخال الجنة ، والمن بالنعيم فيعمهم بالرحمة الظاهرة كما عمهم بها في الدينا كما هو دأب المحسنين ؟ تسبب عن ذلك أن قال منكراً لذلك مشيراً إلى أن المانع منه خروجه عن الحكمة ، فإن تلك دار الجزاء ، وهذه دار العمل ، فبينهما{[54797]} بون : { أفمن كان } أي كوناً كأنه من رسوخه جبلي { مؤمناً } أي راسخاً في التصديق العظيم بجميع ما أخبرت به الرسل { كمن كان } ولما كان السياق منسوقاً على دليل { مالكم من دونه من ولي ولا شفيع } - الآية ، فكان الكافر خارجاً عن محيط ذلك الدليل الذي لا يخفي بوجه على أحد له سمع وبصر وفؤاد ، اقتضى الحال التعبير بالفسق الذي هو الخروج عن محيط فقال{[54798]} : { فاسقاً } أي راسخاً في الفسق خارجاً عن دائرة الإذعان .

ولما توجه الاستفهام{[54799]} إلى كل من اتصف بهذا الوصف ، وكان الاستفهام إنكارياً ، عبر عن معناه مصرحاً بقوله : { لا يستوون } إشارة - بالحمل على لفظ " من " مرة{[54800]} ومعناها أخرى - إلى أنه لا يستوي جمع من هؤلاء بجمع من أولئك ولا فرد بفرد .


[54797]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: فبينها.
[54798]:زيد من ظ ومد.
[54799]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: الإذعان.
[54800]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: مر.