معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَذُوقُواْ بِمَا نَسِيتُمۡ لِقَآءَ يَوۡمِكُمۡ هَٰذَآ إِنَّا نَسِينَٰكُمۡۖ وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلۡخُلۡدِ بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (14)

ثم يقال لأهل النار ، وقال مقاتل : إذا دخلوا النار قالت لهم الخزنة { فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا } أي : تركتم الإيمان به في الدنيا ، { إنا نسيناكم } تركناكم ، { وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون } من الكفر والتكذيب .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{فَذُوقُواْ بِمَا نَسِيتُمۡ لِقَآءَ يَوۡمِكُمۡ هَٰذَآ إِنَّا نَسِينَٰكُمۡۖ وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلۡخُلۡدِ بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (14)

قوله تعالى : " فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا " فيه قولان : أحدهما : أنه من النسيان الذي لا ذكر معه ، أي لم يعملوا لهذا اليوم فكانوا بمنزلة الناسين . والآخر : أن " نسيتم " بما تركتم ، وكذا " إنا نسيناكم " . واحتج محمد بن يزيد بقوله تعالى : " ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي " {[12668]} [ طه :115 ] قال : والدليل على أنه بمعنى ترك أن الله عز وجل أخبر عن إبليس أنه قال : " ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين " {[12669]} [ الأعراف : 20 ] فلو كان آدم ناسيا لكان قد ذكره . وأنشد :

كأنه خارجا من جَنْبِ صفحَتِهِ *** سَفُّودُ شَرْبٍ نَسُوهُ عند مُفْتَأَدِ{[12670]}

أي تركوه . ولو كان من النسيان لكان قد عملوا به مرة . قال الضحاك : " نسيتم " أي تركتم أمري . يحيى بن سلام : أي تركتم الإيمان بالبعث في هذا اليوم . " نسيناكم " تركناكم من الخير . قاله السدي . مجاهد : تركناكم في العذاب . وفي استئناف قوله : " إنا نسيناكم " وبناء الفعل على " إن " واسمها تشديد في الانتقام منهم . والمعنى : فذوقوا هذا ، أي ما أنتم فيه من نكس الرؤوس والخزي والغم بسبب نسيان الله . أو ذوقوا العذاب المخلد ، وهو الدائم الذي لا انقطاع له في جهنم . " بما كنتم تعملون " يعني في الدنيا من المعاصي . وقد يعبر بالذوق عما يطرأ على النفس وإن لم يكن مطعوما ، لإحساسها به كإحساسها بذوق المطعوم . قال عمر بن أبي ربيعة :

فذُقْ هجرها إن كنت تزعم أنها *** فسادٌ ألا يا رُبَّما كذب الزعم

الجوهري : وذقت ما عند فلان ، أي خبرته . وذقت القوس إذا جذبت وترها لتنظر ما شدتها . وأذاقه الله وبال أمره . قال طفيل :

فذوقوا كما ذقنا غداةَ مُحَجَّرٍ *** من الغيظ في أكبادنا والتَّحَوُّبُ

وتذوقته أي ذقته شيئا بعد شيء . وأمر مستذاق أي مجرب معلوم . قال الشاعر :

وعهد الغانيات كعهد قَيْنٍ *** وَنَتْ عنه الجعائل مُسْتَذَاقِ

والذوّاق : الملول .


[12668]:راجع ج 11 ص 251.
[12669]:راجع ج 7 ص 177 فما بعد.
[12670]:السفود: حديدة يشوى عليها اللحم. الشرب (بالفتح): جماعة القوم يشربون. والمفتأد. موضع النار الذي يشوى فيه. والبيت من معلقة النابغة الذبياني.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{فَذُوقُواْ بِمَا نَسِيتُمۡ لِقَآءَ يَوۡمِكُمۡ هَٰذَآ إِنَّا نَسِينَٰكُمۡۖ وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلۡخُلۡدِ بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (14)

ولما تسبب عن هذا القول الصادق أنه لا محيص عن عذابهم ، قال مجيباً{[54748]} لترققهم إذ ذاك نافياً لما {[54749]}قد يفهمه كلامهم من أنه{[54750]} محتاج إلى العبادة : { فذوقوا } أي{[54751]} ما كنتم تكذبون به منه بسبب ما حق مني من القول { بما } أي بسبب ما { نسيتم لقاء يومكم } وأكده{[54752]} وبين لهم{[54753]} بقوله : { هذا } أي عملتم - في الإعراض عن الاستعداد لهذا الموقف الذي تحاسبون فيه ويظهر فيه العدل - عمل الناسي له مع أنه مركوز في طباعكم{[54754]} أنه لا يسوغ لذي علم وحكمة أن يدع عبيده يمرحون في أرضه ويتقلبون في رزقه ، ثم لا يحاسبهم{[54755]} على ذلك وينصف مظلومهم ، فكان الإعراض عنه مستحقاً لأن يسمى نسياناً من هذا الوجه أيضاً ومن جهة أنه لما ظهر له من البراهين ، ما ملأ الأكوان صار كأنه ظهر ، وروي ثمّ نسي . ثم علل ذوقهم لذلك أو{[54756]} استانف لبيان المجازاة به مؤكداً في مظهر العظمة قطعاً لأطماعهم في الخلاص ، ولذا عاد{[54757]} إلى مظهر العظمة فقال : { إنا نسيناكم } أي عاملناكم بما لنا من العظمة ولكم من الحقارة معاملة{[54758]} الناسي ، فأوردناكم النار كما أقسمنا أنه ليس أحد إلا يردها ، ثم أخرجنا أهل ودنا وتركناكم{[54759]} فيها ترك{[54760]} المنسي .

ولما كان ما تقدم من أمرهم بالذوق مجملاً ، بينه بقوله مؤكداً له{[54761]} : { وذوقوا عذاب الخلد } أي المختص بأنه لا آخر له . ولما كان قد خص السبب{[54762]} فيما مضى ، عم هنا فقال : { بما كنتم } أي جبلة وطبعاً { تعملون * } من أعمال من لم يخف أمر البعث ناوين أنكم لا تنفكون عن ذلك .


[54748]:من ظ ومد، وفي الأصل وم: معجبا.
[54749]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: بما.
[54750]:زيد في الأصل: غيلا، ولم تكن الزيادة في ظ وم ومد فحذفناها.
[54751]:سقط من ظ ومد.
[54752]:زيد من ظ وم ومد.
[54753]:من ظ ومد، وفي الأصل وم: ذلهم.
[54754]:من م، وفي الأصل وظ ومد: طباعهم.
[54755]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: ـ كذا.
[54756]:في ظ ومد "و".
[54757]:من ظ ومد، وفي الأصل وم: أعاد.
[54758]:تقد م في الأصل على "بما لنا"، والترتيب من ظ وم ومد.
[54759]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: تركنا.
[54760]:زيد من ظ وم ومد.
[54761]:من م ومد، وفي الأصل وظ: لهم.
[54762]:زيد من ظ وم ومد.