معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أَمۡ أَنَا۠ خَيۡرٞ مِّنۡ هَٰذَا ٱلَّذِي هُوَ مَهِينٞ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ} (52)

قوله تعالى : { أم أنا خير } بل أنا خير ، " أم " بمعنى بل ليس بحرف عطف على قول أكثر المفسرين ، وقال الفراء : الوقف على قوله : " أم " ، وفيه إضمار ، مجازه : أفلا تبصرون أم تبصرون ، ثم ابتدأ فقال : { أنا خير } ، { من هذا الذي هو مهين } ضعيف حقير يعني موسى ، قوله : { ولا يكاد يبين } يفصح بكلامه للثغته التي في لسانه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَمۡ أَنَا۠ خَيۡرٞ مِّنۡ هَٰذَا ٱلَّذِي هُوَ مَهِينٞ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ} (52)

26

ومن ثم عرف فرعون كيف يلعب بأوتار هذه القلوب ويستغفلها بالبريق القريب !

( أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين ? ) .

وهو يعني بالمهانة أن موسى ليس ملكاً ولا أميراً ولا صاحب سطوة ومال مشهود . أم لعله يشير بهذا إلى أنه من ذلك الشعب المستعبد المهين . شعب إسرائيل . أما قوله : ( ولا يكاد يبين )فهو استغلال لما كان معروفاً عن موسى قبل خروجه من مصر من حبسة اللسان . وإلا فقد استجاب الله سؤاله حين دعاه : ( رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي ) . . وحلت عقدة لسانه فعلاً ، وعاد يبين .

وعند الجماهير الساذجة الغافلة لا بد أن يكون فرعون الذي له ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحته ، خيراً من موسى - عليه السلام - ومعه كلمة الحق ومقام النبوة ودعوة النجاة من العذاب الأليم !

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَمۡ أَنَا۠ خَيۡرٞ مِّنۡ هَٰذَا ٱلَّذِي هُوَ مَهِينٞ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ} (52)

{ أم أنا خير } مع هذه المملكة والبسطة . { من هذا الذي هو مهين } ضعيف حقير لا يستعد للرئاسة ، من المهانة وهي القلة . { ولا يكاد يبين } الكلام لما به من الرتة فكيف يصلح للرسالة ، و{ أم } إما منقطعة والهمزة فيها للتقرير إذ قدم من أسباب فضله ، أو متصلة على إقامة المسبب مقام السبب . والمعنى أفلا تبصرون أم تبصرون فتعلمون أني خير منه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَمۡ أَنَا۠ خَيۡرٞ مِّنۡ هَٰذَا ٱلَّذِي هُوَ مَهِينٞ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ} (52)

وقوله : { أم أنا خير } قال سيبويه : { أم } هذه المعادلة ، والمعنى : أم أنتم لا تبصرون ، فوضع موضع قوله : أم تبصرون الأمر الذي هو حقيق أن يبصر عنده ، وهو أنه خير من موسى . و «لا » على هذا النظر نافية . وقالت فرقة : { أفلا تبصرون } أم لا تبصرون ، ثم اقتصر على { أم } لدلالة ظاهر الكلام على المحذوف منه ، وابتدأ قوله : { أنا خير } إخباراً منه ، فقوله : { أفلا } على هذا النظر بمنزلة : هلا ولولا على معنى التخصيص . وقالت فرقة : { أ } بمعنى بل .

وقرأ بعض الناس : «أما أنا خير » ، حكاه الفراء ، وكان مجاهد يقف على { أم } ثم يبتدئ : { أنا خير } . قال قتادة : وفي مصحف أبي بن كعب : «أم أنا خير أم هذا » . و { مهين } معناه ضعيف وقوله : { ولا يكاد يبين } إشارة إلى ما بقي في لسان موسى من أثر الجمرة ، وذلك أنها كانت أحدثت في لسانه عقدة ، فلما دعا في أن تحل ليفقه قوله ، أجيبت دعوته ، لكنه بقي أثر كان البيان يقع منه ، لكن فرعون عير به . وقوله : { ولا يكاد يبين } يقتضي أنه كان يبين .

وقرأ أبو جعفر بن علي : «يَبين » بفتح الياء الأولى .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَمۡ أَنَا۠ خَيۡرٞ مِّنۡ هَٰذَا ٱلَّذِي هُوَ مَهِينٞ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ} (52)

{ أم } منقطعة بمعنى ( بل ) للإضراب الانتقالي . والتقدير : بل أأنا خير ، والاستفهام اللازم تقديره بعدها تقريريٌ . ومقصوده : تصغير شأن موسى في نفوسهم بأشياء هي عوارض ليست مؤثرة انتقل من تعظيم شأن نفسه إلى إظهار البون بينه وبين موسى الذي جاء يحقر دينه وعبادة قومه إياه ، فقال : أنا خير من هذا . والإشارة هنا للتحقير . وجاء بالموصول لادعاء أن مضمون الصلة شيء عرف به موسى .

والمَهين بفتح الميم : الذليل الضعيف ، أراد أنه غريب ليس من أهل بُيوت الشرف في مصر وليس له أهل يعتزّ بهم ، وهذا سفسطة وتشغيب إذ ليس المقام مقام انتصار حتى يحقَّر القائم فيه بقلة النصير ، ولا مقامَ مباهاة حتى ينتقص صاحبه بضعف الحال .

وأشار بقوله : { ولا يكاد يبين } إلى ما كان في منطق موسى من الحُبسة والفهاهة كما حَكى الله في الآية عن موسى { وأخي هارونُ هو أفصح منّي لساناً فأرسله معي ردءاً يصدقني } [ القصص : 34 ] وفي الأخرى { واحلُلْ عقدةً من لساني يفقهوا قولي } [ طه : 27 ، 28 ] ، وليس مقام موسى يومئذٍ مقام خطابة ولا تعليم وتذكير حتى تكون قلة الفصاحة نَقْصاً في عمله ، ولكنه مقام استدلال وحجة فيكفي أن يكون قادراً على إبلاغ مراده ولو بصعوبة وقد أزال الله عنه ذلك حين تفرغ لدعوة بني إسرائيل كما قال : { قد أوتيت سُؤْلك يا موسى } [ طه : 36 ] . ولعلّ فرعون قال ذلك لِما يعلم من حال موسى قبل أن يرسله الله حين كان في بيت فرعون فذكر ذلك من حالهِ ليذكِّر الناس بأمر قديم فإن فرعون الذي بُعث موسى في زمنه هو منفطاح الثاني وهو ابن رعمسيس الثاني الذي وُلد موسى في أيامه ورُبّي عنده ، وهذا يقتضي أن ( منفطاح ) كان يعرف موسى ولذلك قال له { أَلَمْ نُربِّكَ فِينا وَلِيداً ولَبِثْتَ فينا من عُمُرِكَ سنين } [ الشعراء : 18 ] .

وأما رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم فلما أُرسل إلى أُمَّةٍ ذات فصاحة وبلاغة وَكانت معجزته القرآن المعجز في بلاغته وفصاحته وكانت صفة الرّسول الفصاحةَ لتكون له المكانةُ الجليلة في نفوس قومه .

ومعنى { ولا يكاد يبين } ويكاد أن لا يبين ، وقد تقدم القول في مثله عند قوله تعالى : { فذبحوها وما كَادوا يفعلون } في سورة البقرة ( 71 ) .