معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذۡ يَتَوَفَّى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ يَضۡرِبُونَ وُجُوهَهُمۡ وَأَدۡبَٰرَهُمۡ وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلۡحَرِيقِ} (50)

قوله تعالى : { ولو ترى } ، يا محمد .

قوله تعالى : { إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون } ، أي : يقبضون أرواحهم . اختلفوا فيه ، قيل : هذا عند الموت ، تضرب الملائكة وجوه الكفار وأدبارهم بسياط النار . وقيل : أراد الذين قتلوا من المشركين ببدر كانت الملائكة يضربون . { وجوههم وأدبارهم } ، قال سعيد بن جبير ومجاهد : يريد أستاهم ، ولكن الله حيي يكني . قال ابن عباس : كان المشركون إذا أقبلوا بوجوههم إلى المسلمين ضربت الملائكة وجوههم بالسيوف ، وإذا ولوا أدركتهم الملائكة فضربوا أدبارهم . وقال ابن جريج : يريد ما أقبل منهم وما أدبر ، أي : يضربون أجسادهم كلها ، والمراد بالتوفي : القتل .

قوله تعالى : { وذوقوا عذاب الحريق } ، أي : وتقول لهم الملائكة : { ذوقوا عذاب الحريق } وقيل : كان مع الملائكة مقامع من حديد يضربون بها الكفار ، فتلتهب النار في جراحاتهم ، فذلك قوله تعالى : { وذوقوا عذاب الحريق } . وقال الحسن : هذا يوم القيامة ، تقول لهم خزنة جهنم : ذوقوا عذاب الحريق . وقال ابن عباس رضي الله عنهما : يقولون لهم ذلك بعد الموت .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذۡ يَتَوَفَّى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ يَضۡرِبُونَ وُجُوهَهُمۡ وَأَدۡبَٰرَهُمۡ وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلۡحَرِيقِ} (50)

وأخيراً يعرض السياق القرآني مشهداً من مشاهد التدخل الإلهي في المعركة ، والملأ الأعلى من الملائكة - بأمر الله وإذنه - يشارك في أخذ الذين كفروا بالتعذيب والتأنيب ؛ والملائكة يقبضون أرواحهم في صورة منكرة ، ويؤذونهم أذى مهيناً - جزاء على البطر والاستكبار - ويذكرونهم في أشد اللحظات ضيقا وحرجا بسوء أعمالهم وبسوء مآلهم ، جزاء وفاقاً لا يظلمهم الله فيه شيئاً . . ويقرر السياق في إثر عرض هذا المشهد أن أخذ الكفار بتكذيبهم سنة ماضية : ( كدأب آل فرعون والذين من قبلهم ) ( ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) وأنه كذلك أخذ فرعون وملأه ، وكذلك يأخذ كل من يفعل فعله ويشرك شركه :

( ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم ، وذوقوا عذاب الحريق . ذلك بما قدمت أيديكم ، وأن الله ليس بظلام للعبيد . كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كفروا بآيات الله ، فأخذهم الله بذنوبهم ، إن الله قوي شديد العقاب . ذلك بأن الله لم يك مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ، وأن الله سميع عليم . كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآيات ربهم ، فأهلكناهم بذنوبهم ، وأغرقنا آل فرعون . وكل كانوا ظالمين ) .

والآيتان الأوليان في هذا المقطع :

( ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم ، وذوقوا عذاب الحريق ، ذلك بما قدمت أيديكم ، وأن الله ليس بظلام للعبيد ) . .

قد تعنيان حال المشركين يوم بدر ؛ والملائكة تشترك في المعركة - كما قال لهم الله سبحانه : ( فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان . ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ، ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب ) . . وإن كنا - كما قلنا عند استعراض هذا النص في الجزء التاسع - لا ندري كيف تضرب الملائكة فوق الأعناق وكل بنان . ولكن جهلنا بالكيفية لا يدعونا إلى تأويل هذا النص عن مدلوله الظاهر ؛ وهو أن هناك أمراً من الله للملائكة بالضرب ، وأن الملائكة ( لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ) . . وتكون هاتان الآيتان هنا تذكيراً بما كان يوم بدر ؛ وتكملة لحكاية فعل الملائكة فيه بالذين كفروا . .

كما أن هاتين الآيتين قد تعنيان حالة دائمة كلما توفت الملائكة الذين كفروا . . في يوم بدر وفي غيره . . ويكون قوله تعالى : ( ولو ترى ) . . موجهاً توجيه الخطاب لكل من يرى ، كما يكثر مثل هذا الاسلوب في التوجيه إلى المشاهد البارزة التي من شأنها أن يتوجه إليها كل من يرى .

وسواء كان هذا أو ذاك . فالتعبير القرآني يرسم صورة منكرة للذين كفروا ، والملائكة تستل منهم أرواحهم في مشهد مهين ؛ يضيف المهانة والخزي ، إلى العذاب والموت :

( ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم ) . .

ثم يتحول السياق من صيغة الخبر إلى صيغة الخطاب :

( وذوقوا عذاب الحريق ) .

ليرد المشهد حاضراً كأنه اللحظة مشهود ؛ وكأنما جهنم بنارها وحريقها في المشهد وهم يدفعون إليها دفعاً مع التأنيب والتهديد :

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذۡ يَتَوَفَّى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ يَضۡرِبُونَ وُجُوهَهُمۡ وَأَدۡبَٰرَهُمۡ وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلۡحَرِيقِ} (50)

{ ولو ترى } ولو رأيت فإن لو تجعل المضارع ماضيا عكس إن . { إذ يتوفّى الذين كفروا والملائكة } ببدر ، وإذ ظرف ترى والمفعول محذوف أي ولو ترى الكفرة أو حالهم حينئذ ، والملائكة فاعل يتوفى ويدل عليه قراءة ابن عامر بالتاء ويجوز أن يكون الفاعل ضمير الله عز وجل وهو مبتدأ خبره { يضربون وجوههم } والجملة حال من الذين كفروا ، واستغني فيه بالضمير عن الواو وهو على الأول حال منهم أو من الملائكة أو منهما لاشتماله على الضميرين . { وأدبارهم } ظهورهم أو أستاههم ، ولعل المراد تعميم الضرب أي يضربون ما أقبل منهم وما أدبر . { وذوقوا عذاب الحريق } عطف على يضربون بإضمار القول أي ويقولون ذوقوا بشارة لهم بعذاب الآخرة . وقيل كانت معهم مقامع من حديد كلما ضربوا التهبت النار منها ، وجواب { لو } محذوف لتقطيع الأمر وتهويله .