وبعد هذا البيان لأحوال الكافرين في حياتهم ؛ انتقل القرآن لبيان أحوالهم عند مماتهم . فقال - تعالى - : { وَلَوْ ترى . . . لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ } .
والخطاب في قوله - تعالى - : { وَلَوْ ترى . . } للنبى - صلى الله عليه وسلم - أو لكل من يصلح للخطاب و { لَوْ } شرطية ، وجوابها محذوف لتفظيع الأمر وتهويله .
والمراد بالذين كفروا : كل كافر ، وقيل المراد بهم قتلى غزوة بدر من المشركين .
قال ابن كثير : وهذا السياق وإن كان سببه غزوة بدر ، ولكنه علم في حق كل كافر . ولهذا لم يخصصه الله بأهل بدر قال - سبحانه - { وَلَوْ ترى إِذْ يَتَوَفَّى الذين كَفَرُواْ الملائكة يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ . . } .
والفعل المضارع هنا وهو { ترى } بمعنى الماضى ، لأن لو الامتناعية ترد المضارع ماضيا .
والفعل { يَتَوَفَّى } فاعله محذوف للعلم به وهو الله - عز وجل - وقوله : { الذين كَفَرُواْ } هو المفعول وعليه يكون : { الملائكة } مبتدأ وجملة { يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ . . . } خير .
والمعنى لو عاينت وشاهدت أيها العاقل حال الذين كفروا حين يتوفى الله أرواحهم ، لعاينت وشاهدت منظراً مخيفا ، وأمراً فظيعاً تقشعر من هوله الأبدان .
ثم فصل - سبحانه - هذا المنظر المخيف بجملة مستأنفة فقال : { الملائكة يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ } والمراد بوجوههم : ما أقبل منهم ، وبأدبارهم : ما أدبر وهو كل الظهر .
أى : الملائكة عندما يتوفى الله - تعالى - هؤلاء الكفرة يضربون ما أقبل منهم وما أدبر ، لإِعراضهم عن الحق ، وإيثارهم الغى على الرشد .
ومنهم من يرى أن الفعل { يَتَوَفَّى } فاعله { الملائكة } وأن قوله { الذين كَفَرُواْ } هو المفعول وقدم على الفاعل للاهتمام به .
وعليه تكون جملة { يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ . . } حال من الفاعل وهو الملائكة .
فيكون المعنى : ولو رأيت أيها العاقل - حال الكافرين عندما تتوفى الملائكة أرواحهم فتضرب منهم الوجوه والأدبار ، لرأيت عندئذ ما يؤلم النفس ، ويخيف الفؤاد .
ويبدو لنا أن التفسير الأول أبلغ ، لأن توضيح وتفصيل الرؤية بالجملة الاسمية المستأنفة خير منه بجملة الحال ، ولأن إسناد التوفى إلى الله أكثر مناسبة هنا ، إذ أن الله - تعالى - قد بين وظيفة الملائكة هنا فقال : { يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ } .
وخص - سبحانه - الضرب للوجوه والأدبار بالذكر ، لأن الوجوه أكرم الأعضاء ، ولأن الأدبار هى الأماكن التي يكره الناس التحدث عنها فضلا عن الضرب عليها . أو لأن الخزى والنكال في ضربهما أشد وأعظم .
وقوله : { وَذُوقُواْ عَذَابَ الحريق } معطوف على قوله { يَضْرِبُونَ } بتقدير القول . أي يضربون وجوههم وأدبارهم ويقولون لهم : ذوقوا عذاب تلك النار المحرقة التي كنتم تكذبون بها في الدنيا .
والذوق حقيقة إدراك المطعومات . والأصل فيها أن يكون أمر مرغوب في ذوقه وطلبه . والتعبير به هنا ذوق العذاب هو لون من التهكم عليهم ، والاستهزاء بهم ، كما في قوله - تعالى - : { فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } وهو أيضا يشعر بأن ما وقع عليهم من عذاب إنما هو بمنزلة المقدمة لما هو أشد منه ، كما أن الذوق عادة يكون كالمقدمة للمطعوم أو الشئ المذاق .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.