اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذۡ يَتَوَفَّى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ يَضۡرِبُونَ وُجُوهَهُمۡ وَأَدۡبَٰرَهُمۡ وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلۡحَرِيقِ} (50)

قوله تعالى : { وَلَوْ ترى إِذْ يَتَوَفَّى الذين كَفَرُواْ الملائكة } الآية .

لمَّا شرح أحوال الكُفَّار ، شرح أحوال موتهم ، والعذاب الذي يصل إليهم .

قرأ ابن عامر والأعرج{[17410]} " تَتَوفَّى " بتاء التأنيث ، لتأنيث الجماعة ، والباقون بياء الغيبة وفيها تخريجان ، أظهرهما - لموافقة قراءة من تقدَّم - : أنَّ الفاعل هم الملائكة ، وإنما ذُكِّرَ للفصل ؛ ولأنَّ التأنيث مجازي .

والثاني : أنَّ الفاعل ضمير الله تعالى : لتقدم ذكره و " الملائكةُ " مبتدأ ، و " يَضْرِبُونَ " خبره ، وفي هذه الجملةِ حينئذٍ وجهان :

أحدهما : أنَّها حالٌ من المفعول .

والثاني : أنَّها استئنافيةٌ ، جواباً لسؤالٍ مقدر ، وعلى هذا فيوقف على " الَّذين كَفَرُوا " بخلاف الوجهين قبله .

وضعَّف ابنُ عطية وجه الحالِ بعدم الواو ، وليس بضعيفٍ لكثرة مجيء الجملة الحالية مشتملة على ضمير ذي الحال خاليةً من " واو " نظماً ونثراً ، وعلى كون " الملائكةُ " فاعلاً ، يكون " يَضْربُونَ " جملةً حاليةً ، سواءً قرىء بالتأنيث أم بالتذكير ، وجوابُ " لَوْ " محذوفٌ للدلالة عليه ، أي : رأيت أمراً عظيماً .

فصل

المعنى : ولو عاينت ؛ لأنَّ " لو " ترد المضارع إلى الماضي ، كما ترد " إن " الماضي إلى المضارع .

قال الواحديُّ - رحمه الله - : " معنى يتوفى الذين كفروا ، يقبضون أرواحهم " قيل : عند الموت تضرب الملائكة وجوه الكفار وأدبارهم . وقيل : أراد المشركين الذين قتلوا ببدر ، كانت الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم .

قال سعيدُ بن جبيرٍ ، ومجاهد : يريدُ : أستاههم ولكن الله تعالى حَييٌّ يُكَنِّي{[17411]} .

وقال ابن عباس " كان المشركون إذا أقبلوا بوجوههم إلى المسلمين ضربوا وجوههم بالسيف وإذا ولَّوْا أدركتهم الملائكة يضربون أدبارهم{[17412]} " وقال ابن جريح " يريدُ ما أقبل منهم وما أدبر يضربون أجسادهم كلها " . والمراد بالتوفي : القتل .

قوله { وَذُوقُواْ عَذَابَ الحريق } هذا منصوب بإضمار قول الملائكة ، أي : يضربونهم ويقولون لهم : ذوقوا . وقيل : الواو في " يَضْربُونَ " للمؤمنين أي : يَضْربونهم حال القتال ، وحال توفِّي أرواحهم الملائكة .

قيل : كان مع الملائكة مقامع من حديد ، يضربون بها الكُفَّار ، فتلتهب النَّار في جراحاتهم ؛ فذلك قوله : { وَذُوقُواْ عَذَابَ الحريق } ، وقال الحسن - رضي الله عنه - : " هذا يوم القيامة ، تقولُ لهم خزنةُ جهنم : ذوقوا عذاب الحريقِ{[17413]} " وقال ابنُ عبَّاسٍ - رضي الله تعالى عنهما - : " يقولون لهم ذلك بعد الموت " {[17414]} .


[17410]:ينظر: إعراب القراءات 1/232، إتحاف 2/81، حجة القراءات ص 311.
[17411]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (6/267-268) وذكره البغوي في "معالم التنزيل" (2/256).
[17412]:ذكره البغوي في "معالم التنزيل" (2/256) والرازي في "تفسيره" (15/142).
[17413]:انظر: المصدر السابق.
[17414]:انظر: المصدر السابق.