معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغۡرَمٗا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ ٱلدَّوَآئِرَۚ عَلَيۡهِمۡ دَآئِرَةُ ٱلسَّوۡءِۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٞ} (98)

قوله تعالى : { ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرماً } . قال عطاء : لا يرجو على إعطائه ثوابا ، ولا يخاف على إمساكه عقابا ، إنما ينفق خوفا أو رياء . والمغرم التزام ما لا يلزم { ويتربص } ، وينتظر { بكم الدوائر } يعني : صروف الزمان ، التي تأتي مرة بالخير ومرة بالشر . وقال يمان بن رباب : يعني ينقلب الزمان عليكم فيموت الرسول ويظهر المشركون ، { عليهم دائرة السوء } { عليهم } يدور البلاء والحزن ، ولا يرون في محمد ودينه إلا ما يسوءهم . وقرأ ابن كثير و أبو عمرو : { دائرة السوء } هاهنا وفي سورة الفتح ، بضم السين ، معناه : الضر والبلاء والمكروه . وقرأ الآخرون بفتح السين على المصدر . وقيل : بالفتح الردة والفساد ، وبالضم الضر والمكروه . { والله سميع عليم } . نزلت في أعراب أسد وغطفان وتميم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغۡرَمٗا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ ٱلدَّوَآئِرَۚ عَلَيۡهِمۡ دَآئِرَةُ ٱلسَّوۡءِۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٞ} (98)

97

وبعد الوصف الرئيسي العام للأعراب يجيئ التصنيف حسبما أحدث الإيمان في النفوس من تعديلات ؛ وما انشأه كذلك من فروق بين القلوب التي خالطتها بشاشته والقلوب التي بقيت على ما فيها من كفر ونفاق ؛ مما يمثل الواقع في المجتمع المسلم حينذاك :

( ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرماً ، ويتربص بكم الدوائر . عليهم دائرة السوء ، واللّه سميع عليم ) . .

وربما عجل بذكر المنافقين من الأعراب قبل المؤمنين منهم ، إلحاقاً لهم بمنافقي المدينة الذين كان يتحدث عنهم في المقطع السالف كله ؛ وليتصل جو الحديث عن المنافقين من هؤلاء ومن هؤلاء .

( ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرماً ) . .

فهو مضطر لأن ينفق من ماله في الزكاة ، وفي غزوات المسلمين ؛ تظاهراً بالإسلام ، ليستمتع بمزايا الحياة في المجتمع المسلم ، ومداراة للمسلمين وهم أصحاب السلطان اليوم في الجزيرة ! وهو يعد ما ينفقه غرامة وخسارة يؤديها كارهاً ، لا مساعدة للغزاة المجاهدين ، ولا حباً في انتصار الإسلام والمسلمين .

( ويتربص بكم الدوائر ) . .

وينتظر متى تدور الدائرة على المسلمين ، ويتمنى ألا يعودوا من غزاة سالمين !

وهنا يعاجلهم السياق بدعاء من اللّه - سبحانه - عليهم ؛ ودعاء اللّه معناه وقوع مدلول الدعاء عليهم :

( عليهم دائرة السوء ) . .

كأن للسوء دائرة تطبق عليهم فلا تفلتهم ؛ وتدور عليهم فلا تدعهم . وذلك من باب تجسيم المعنوي وتخييله ، الذي يعمق وقع المعنى ويحييه .

( واللّه سميع عليم ) . .

والسمع والعلم يتناسبان هنا مع جو التربص بالسوء من أعداء الجماعة المسلمة ، والنفاق الذي تحتويه جوانحهم ، وتخفيه ظواهرهم . . واللّه سميع لما يقولون عليم بما يظهرون وما يكتمون .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغۡرَمٗا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ ٱلدَّوَآئِرَۚ عَلَيۡهِمۡ دَآئِرَةُ ٱلسَّوۡءِۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٞ} (98)

{ ومن الأعراب من يتّخذ } يعدّ . { ما ينفق } يصرفه في سبيل الله ويتصدق به . { مغرماً } غرامة وخسرانا إذ لا يحتسبه قربة عند الله ولا يرجو عليه ثوابا وإنما ينفق رياء أو تقية . { ويتربّص بكم الدوائر } دوائر الزمان ونوبه لينقلب الأمر عليكم فيتخلص من الإنفاق . { عليهم دائرة السّوء } اعتراض بالدعاء عليهم بنحو ما يتربصون أو الإخبار عن وقوع ما يتربصون عليهم ، والدائرة في الأصل مصدر أو اسم فاعل من دار يدور وسمي به عقبة الزمان ، و{ السّوء } بالفتح مصدر أضيف إليه للمبالغة كقولك رجل صدق . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو { السوء } هنا . وفي الفتح بضم السين . { والله سميع } لما يقولون عند الإنفاق { عليم } بما يضمرون .