قوله تعالى : { وَمِنَ الأعراب مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَماً } .
نزلت في أعراب أسد وغطفان وتميم . " مَنْ " مبتدأ ، وهي إما موصولةٌ ، وإمَّا موصوفةٌ .
و " مَغْرَماً " مفعول ثانٍ ؛ لأنَّ " اتَّخَذَ " هنا بمعنى " صيَّر " . والمَغْرَمُ : الخسران ، مشتق من الغرام ، وهو الهلاك ؛ لأنَّه سببه ، ومنه : { إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً } [ الفرقان : 65 ] . وقيل أصله الملازمةُ ، ومنه الغريمُ : للزومه من يطالبه ، والمغرم : مصدر كالغرامةِ ، والمغرم التزام ما لا يلزمُ . قال عطاءٌ : لا يرجُون على إعطائه ثواباً ؛ ولا يخافون على إمساكه عقاباً ، وإنَّما ينفقُ مغرماً ورياءً{[18059]} . و " يتربَّصُ " عطفٌ على " يتَّخِذ " ، فهو إمَّا صلة ، وإما صفة . والتَّربُّصُ : الانتظارُ . وقوله : { بِكُمُ الدوائر } فيه وجهان :
أظهرهما : أنَّ الياء متعلقةٌ بالفعل قبلها .
والثاني : أنها حالٌ من " الدَّوائر " قاله أبو البقاءِ وليس بظاهرٍ ، وعلى هذا يتعلقُ بمحذوفٍ على ما تقرَّر . و " الدَّوائرِ " جمعُ " دائرةٍ " وهي ما يُحيط بالإنسان من مُصيبة ونكْبَةٍ ، تصوُّراً من الدَّائرة المحيطة بالشَّيء من غير انفلاتٍ منها ، وأصلها : " دَاوِرَة " ؛ لأنَّها من دَارَ يدُورُ ، أي : أحَاطَ ، ومعنى " تَربُّص الدَّوائر " أي : انتظار المصائب ؛ قال : [ الطويل ]
تَربَّصْ بهَا رَيْبَ المنُونِ لعلَّها *** تُطلَّقُ يوْماً أو يَمُوتُ حليلُهَا{[18060]}
قال يمانُ بن رئابٍ : " يعني ينقلبُ الزَّمانُ عليكم فيموت الرسول صلى الله عليه وسلم ويظهر المشركون " . قوله : { عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ السوء } هذه الجملةُ معترضةٌ بين جمل هذه القصَّةِ ، وهي دعاءٌ على الأعراب المتقدمين ، وقرأ ابنُ كثير{[18061]} وأبو عمرو هنا : " السُّوءِ " ، وكذا الثانية في الفتحِ بالضَّم والباقون بالفتحِ .
وأمَّا الأولى في الفتح ، وهي " ظنَّ السوءِ " .
فاتفق على فتحها السبعةُ . فأمَّا المفتوح فقيل : هو مصدر .
قال الفرَّاءُ{[18062]} : " فتحُ السِّين هو الوجه ؛ لأنَّه مصدرٌ يقالُ : سُؤتُه سَوْءاً ، ومَساءةٌ ، وسَوائِيَةٌ ، ومَسَائِيَةٌ ، وبالضَّم الاسم ، كقولك : عليهم دائرةُ البلاءِ والعذاب " .
قال أبُو البقاء : " وهو الضَّرَرُ ، وهو مصدر في الحقيقة " . يعني أنَّه في الأصل كالمفتوح ، في أنَّهُ مصدرٌ ، ثُمَّ أطلقَ على كل ضررٍ وشرٍّ . وقال مكي : " مَنْ فتح السِّين فمعناه الفساد والرَّداءة ، ومنْ ضمَّها فمعناه الهزيمةُ والبلاءُ والضَّرر " . وظاهرُ هذا أنَّهما اسمان لما ذكر . ويحتملُ أن يكونا في الأصل مصدراً ثم أطلقا على ما ذكر . وقال غيره : المضمومُ العذاب والضرر ، والمفتوح : الذم ، ألا ترى أنَّه أجمع على فتح { ظَنَّ السوء } [ الفتح : 6 ] وقوله : { مَا كَانَ أَبُوكِ امرأ سَوْءٍ } [ مريم : 28 ] ، إذ لا يليقُ ذكرُ العذاب بهذين الموضعين . وقال الزمخشري فأحسن : " المضمومُ : العذاب ، والمفتوحُ ذمٌّ ل " دائرة " كقولك : رجُل سوءٍ ، في نقيض رجل عدل ؛ لأنَّ منْ دَارتْ عليه يذُمُّهَا " . يعني أنَّها من باب إضافة الموصوف إلى صفته ، فوصفت في الأصل بالمصدر مبالغةً ، ثم أضيفَتْ لصفتها ، كقوله تعالى : { مَا كَانَ أَبُوكِ امرأ سَوْءٍ } [ مريم : 28 ] . قال أبُو حيَّان " وقد حكي بالضَّمِّ " ؛ وأنشد الأخفشُ : [ الطويل ]
وكُنْتَ كَذِئْبِ السُّوءِ لمَّا رَأى دَماً *** بِصَاحبهِ يَوْماً أحَالَ عَلى الدَّمِ{[18063]}
أظهرهما : أنها صفةٌ على فاعلة ، ك " قائمة " . وقال الفارسيُّ : " يجوز أن تكون مصدراً كالعافية ، ولو لم تضف الدائرة إلى السوء ، أو السوء لما عرف منها معنى السُّوء ؛ لأنَّ دائرة الدَّهر لا تستعملُ إلاَّ في المكروهِ ، والمعنى : يدور عليهم البلاءُ والحزنُ ، فلا يرون في محمد ، ودينه إلاَّ ما يَسُوؤهم " . ثم قال : { والله سَمِيعٌ } لقولهم ، { عَلِيمٌ } بنيَّاتهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.