فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَمِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغۡرَمٗا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ ٱلدَّوَآئِرَۚ عَلَيۡهِمۡ دَآئِرَةُ ٱلسَّوۡءِۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٞ} (98)

{ ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرما } هذا تنويع الجنس إلى نوعين { الأول } هؤلاء { والثاني } ومن الأعراب من يؤمن بالله ، والمغرم : الغرم والخسران وهو ثاني مفعولي يتخذ لأنه بمعنى الجعل ، والمعنى أنه اعتقد ما ينفقه في سبيل الله غرامة وخسرانا ، وأصل الغرم والغرامة ما ينفقه الرجل وليس بلازم له في اعتقاده ، ولكنه ينفقه للرياء والتقية ، وقيل أصل الغرم اللزوم كأنه اعتقد أنه يلزمه لأمر خارج لا تنبعث له النفس .

قال الضحاك : يعني بالمغرم أنه لا يرجو له ثوابا عند الله ولا مجازاة ، وإنما يعطي ما يعطي من الصدقات كرها ، وعن ابن زيد قال : هؤلاء المنافقون من الأعراب الذين إنما ينفقون رياء اتقاء أن يغزوا ، ويحاربوا ويقاتلوا ويرون نفقاتهم مغرما وهم بنو أسد وغطفان .

{ ويتربص } أي ينتظر { بكم الدوائر } جمع دائرة وهي الحالة المتقلبة عن النعمة إلى البلية ، وأصلها ما يحيط بالشيء ودوائر الزمان نوبه وتصاريفه ودوله وكأنه لا تستعمل إلا في المكروه ، وفي الدائرة مذهبان أظهرهما أنها صفة على فاعلة كقائمة وقال الفارسي : يجوز أن تكون مصدرا كالعاقبة ، والمعنى ينتظر بكم تقلب الزمان وصروفها التي تأتي مرة بالخير ومرة بالشر ، قال يمان بن رباب : يعني يموت الرسول ويظهر المشركون .

ثم دعا سبحانه عليهم بقوله : { عليهم دائرة السوء } وجعل ما دعا به عليهم مماثلا لما أرادوه بالمسلمين ، عند الجمهور مصدر أضيف إليه الدائرة للملابسة كقولك رجل صدق ؛ وهو مصدر الحقيقة ، قال أبو البقاء : وهو الضرر ، وقال مكي : من فتح السين فمعناه الفساد والرداءة ، ومن ضمها فمعناه البلاء والضرر ، وظاهر هذا أنهما إسمان لما ذكر ، ويحتمل أن يكونا مصدرين ثم أطلقا على ما ذكر .

وقال غيره : المضموم العذاب والضرر ، والمفتوح الذم ، وقرأ ابن كثير وغيره بضم السين وهو المكروه ، قال الأخفش : عليهم دائرة الهزيمة والشر ، وقال الفراء : دائرة العذاب والبلاء قال : والسوء بالفتح سؤته سؤا ومساءة وبالضم اسم لا مصدر وهو كقولك دائرة البلاء والمكروه ، قال الخفاجي : وبين الفتح والضم شبه طباق ، وقال الضحاك : الدوائر الهلكات { والله سميع } لما يقولونه { عليم } بما يضمرونه .