فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَمِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغۡرَمٗا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ ٱلدَّوَآئِرَۚ عَلَيۡهِمۡ دَآئِرَةُ ٱلسَّوۡءِۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٞ} (98)

قوله : { وَمِنَ الأعراب مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَمًا } هذا تنويع لجنس إلى نوعين ، الأوّل : هؤلاء ، والثاني : { وَمِنَ الأعراب مَن يُؤْمِنُ بالله } والمغرم : الغرامة والخسران ، وأصل الغرم والغرامة ، ما ينفقه الرجل وليس بلازم له في اعتقاده ، ولكنه ينفقه للرياء والتقية . وقيل : أصل الغرم : اللزوم ، كأنه اعتقد أنه يلزمه لأمر خارج لا تنبعث له النفس . و { الدوائر } جمع دائرة ، وهي الحالة المنقلبة عن النعمة إلى البلية ، وأصلها : ما يحيط بالشيء ، ودوائر الزمان : نوبه وتصاريفه ، ودوله ، وكأنها لا تستعمل إلا في المكروه ، ثم دعا سبحانه عليهم بقوله : { عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السوء } وجعل ما دعا به عليهم مماثلاً لما أرادوه بالمسلمين ، والسوء بالفتح عند جمهور القراء مصدر أضيفت إليه الدائرة للملابسة ، كقولك رجل صدق . وقرأ أبو عمرو ، وابن كثير ، بضم السين ، وهو المكروه . قال الأخفش : أي : عليهم دائرة الهزيمة والشرّ . وقال الفراء : { عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السوء } : العذاب والبلاء . قال : والسوء بالفتح مصدر سؤته سوءاً ومساءة ، وبالضم اسم لا مصدر ، وهو كقولك : دائرة البلاء والمكروه { والله سَمِيع } لما يقولونه { عَلِيم } بما يضمرونه .

/خ99