معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَٱلنَّجۡمُ وَٱلشَّجَرُ يَسۡجُدَانِ} (6)

قوله تعالى : { والنجم والشجر يسجدان } النجم ما ليس له ساق من النبات ، والشجر ما له ساق يبقى في الشتاء ، وسجودهما سجود ظلمهما كما قال : { يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله { ( النحل-48 ) قال مجاهد : النجم هو الكوكب وسجوده طلوعه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱلنَّجۡمُ وَٱلشَّجَرُ يَسۡجُدَانِ} (6)

( والنجم والشجر يسجدان ) . .

وقد كانت الإشارة السابقة إلى الحساب والتقدير في بناء الكون الكبير . فأما هذه فهي إشارة إلى اتجاه هذا الكون وارتباطه . وهي إشارة موحية إلى حقيقة هادية .

إن هذا الوجود مرتبط ارتباط العبودية والعبادة بمصدره الأول ، وخالقه المبدع . والنجم والشجر نموذجان منه ، يدلان على اتجاهه كله . وقد فسر بعضهم النجم بأنه النجم الذي في السماء . كما فسره بعضهم بأنه النبات الذي لا يستوي على سوقه كالشجر . وسواء كان هذا أم كان ذاك فإن مدى الإشارة في النص واحد . ينتهي إلى حقيقة اتجاه هذا الكون وارتباطه .

والكون خليقة حية ذات روح . روح يختلف مظهرها وشكلها ودرجتها من كائن إلى كائن . ولكنها في حقيقتها واحدة .

ولقد أدرك القلب البشري منذ عهود بعيدة حقيقة هذه الحياة السارية في الكون كله . وحقيقة اتجاه روحه إلى خالقه . أدركها بالإلهام اللدني فيه . ولكنها كانت تغيم عليه ، وتتوارى عنه كلما حاول اقتناصها بعقله المقيد بتجارب الحواس !

ولقد استطاع أخيرا أن يصل إلى أطراف قريبة من حقيقة الوحدة في بناء الكون . ولكنه لا يزال بعيدا عن الوصول إلى حقيقة روحه الحية عن هذا الطريق !

والعلم يميل اليوم إلى افتراض أن الذرة هي وحدة بناء الكون ؛ وأنها في حقيقتها مجرد إشعاع . وأن الحركة هي قاعدة الكون ، والخاصية المشتركة بين جميع أفراده .

فإلى أين يتجه الكون بحركته التي هي قاعدته وخاصيته ?

القرآن يقول : إنه يتجه إلى مبدعه بحركة روحه - وهي الحركة الأصلية فحركة ظاهره لا تكون إلا تعبيرا عن حركة روحه - وهي الحركة التي تمثلها في القرآن آيات كثيرة منها هذه : ( والنجم والشجر يسجدان ) . . ومنها ( تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ، ولكن لا تفقهون تسبيحهم ) . . ومنها : ( ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات والأرض والطير صافات . كل قد علم صلاته وتسبيحه ) . .

وتأمل هذه الحقيقة ، ومتابعة الكون في عبادته وتسبيحه ، مما يمنح القلب البشري متاعا عجيبا ، وهو يشعر بكل ما حوله حيا يعاطفه ويتجه معه إلى خالقه وهو في وقفته بين أرواح الأشياء كلها ، وهي تدب فيها جميعا ، وتحيلها إخوانا له ورفقاء !

إنها إشارة ذات أبعاد وآماد وأعماق . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَٱلنَّجۡمُ وَٱلشَّجَرُ يَسۡجُدَانِ} (6)

وقوله : { وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ } قال ابن جرير : اختلف المفسرون في معنى قوله : { والنجم } بعد إجماعهم على أن الشجر ما قام على ساق ، فروى علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قال : النجم ما انبسط على وجه الأرض - يعني من النبات . وكذا قال سعيد بن جبير ، والسدي ، وسفيان الثوري . وقد اختاره ابن جرير رحمه الله .

وقال مجاهد : النجم الذي في السماء . وكذا قال الحسن وقتادة . وهذا القول هو الأظهر والله أعلم ؛ لقوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ } الآية [ الحج : 18 ] .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَٱلنَّجۡمُ وَٱلشَّجَرُ يَسۡجُدَانِ} (6)

وقوله : { والنجم والشجر يسجدان } قال ابن عباس والسدي وسفيان : { النجم } . النبات الذي لا ساق له ، وسمي نجماً لأنه نجم ، أي ظهر وطلع ، وهو مناسب للشجر نسبة بينة . وقال مجاهد وقتادة والحسن : { النجم } اسم الجنس من نجوم السماء ، والنسبة التي لها من السماء هي التي للشجر من الأرض ، لأنها في ظاهرهما . وسمي { الشجر } من اشتجار غصونه وهو تداخلها .

واختلف الناس في هذا السجود ، فقال مجاهد : ذلك في النجم بالغروب ونحوه ، وفي الشجر بالظل واستدارته ، وكذلك في النجم على القول الآخر . وقال مجاهد أيضاً ما معناه : أن السجود في هذا كله تجوز ، وهو عبارة عن الخضوع والتذلل ، ونحوه قول الشاعر [ زيد الخيل ] : [ الطويل ]

*** ترى الأكم فيها سجداً للحوافر{[10806]}

وقال : { يسجدان } وهما جمعان ، لأنه راعى اللفظ ، إذ هو مفرد اسم للنوع وهذا كقول الشاعر [ عمير بن شييم القطامي ] : [ الوافر ]

ألم يحزنك أن حبال قومي . . . وقومك قد تباينتا انقطاعا{[10807]}


[10806]:هذا عجز بيت قاله زيد الخيل بن مهلهل الذي سماه النبي صلى الله عليه وسلم زيد الخير بعد إسلامه، والبيت بتمامه: بِجمع تضل البُلق في حَجَراته ترى الأكم فيه سجدا للحوافر والبَلَق: سواد وبياض في الدابة، والمراد هنا الخيل، والبُلقة فيها ارتفاع التحجيل إلى الفخذين، والحَجرات: النواحي، وهي جمع حجرة، وفي المثل-وهو في حديث علي-:"ودع عنك نهبا صيح في حجراته"، أي في نواحيه، والأكم جمع الإكام، والإكام جمع أكم، وأكمٌ جمع أكمة وهي المكان المرتفع دون الجبال، والشاهد أن السجود هنا مجازي يدل على الخضوع والذلة.
[10807]:هذا البيت من قصيدة للقطامي مدح بها زفر بن الحارث الكلابي الذي حماه من بني أسد يوم الخابور وحمله وكساه وأعطاه مائة ناقة، والخطاب هنا لضباعة بنت زُفر لأنه كان أسيرا عند والدها، والحبال: العهود والمواصلة التي كانت بين قومه وقومها وهما قيس وتغلب، ولهذا يروى البيت(ألم يحزنك أن حبال قيس...وتغلب)، وتباينت: تفرقت، وقد رُوي أن ضباعة لما سمعت هذا البيت قالت: بلى والله قد أحزنني، والشاهد أنه راعى اللفظ حين قال: (تباينتا) أي حبال القومين، وإلا فلو راعى المعنى لقال:(تباينت) لأن الضمير يعود على (الحبال)، وقد روي البيت:(تباينت)، وعلى هذا فلا شاهد فيه.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱلنَّجۡمُ وَٱلشَّجَرُ يَسۡجُدَانِ} (6)

عطف على جملة { الشمس والقمر بحسبان } [ الرحمن : 5 ] عطف الخبر على الخبر للوجه الذي تقدم لأن سجود الشمس والقَمر لله تعالى وهو انتقال من الامتنان بما في السماء من المنافع إلى الامتنان بما في الأرض ، وجعل لفظ { النجم } واسطة الانتقال لصلاحيته لأنه يراد منه نجوم السماء وما يسمى نجماً من نبات الأرض كما يأتي .

وعطفت جملة { والنجم والشجر يسجدان } ولم تفصل فخرجت من أسلوب تعداد الأخبار إلى أسلوب عطف بعض الأخبار على بعض لأن الأخبار الواردة بعد حروف العطف لم يقصد بها التعداد إذ ليس فيها تعريض بتوبيخ المشركين ، فالإِخبار بسجود النجم والشجر أريد به الإِيقاظ إلى ما في هذا من الدلالة على عظيم القدرة دلالة رمزية ، ولأنه لما اقتضى المقام جمع النظائر من المزاوجات بَعد ذكر الشمس والقمر ، كان ذلك مقتضياً سلوك طريقة الوصل بالعطف بجامع التضاد .

وجُعلت الجملة مفتَتَحة بالمسند إليه لتكون على صورة فاتحة الجملة التي عطفت هي عليها . وأتي بالمسند فعلاً مضارعاً للدلالة على تجدد هذا السجود وتكرره على معنى قوله تعالى : { ولله يسجد من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً وظلالهم بالغدوّ والآصال } [ الرعد : 15 ] .

و { النجم } يطلق : اسمَ جمع على نجوم السماء قال تعالى : { والنجم إذا هوى } [ النجم : 1 ] ، ويطلق مفرداً فيُجمع على نجوم ، قال تعالى : { وإدبار النجوم } [ الطور : 49 ] . وعن مجاهد تفسيره هنا بنجوم السماء .

ويطلق النجم على النبات والحشيش الذي لا سُوق له فهو متصل بالتراب . وعن ابن عباس تفسير النجم في هذه الآية بالنبات الذي لا ساق له . والشجر : النبات الذي له ساق وارتفاعٌ عن وجه الأرض . وهذان ينتفع بهما الإِنسان والحيوان .

فحصل من قوله : { والنجم والشجر يسجدان } بعد قوله : { الشمس والقمر بحسبان } [ الرحمن : 5 ] قرينتان متوازيتان في الحركة والسكون وهذا من المحسنات البديعية الكاملة .

والسجود : يطلق على وضع الوجه على الأرض بقصد التعظيم ، ويطلق على الوقوع على الأرض مجازاً مرسلاً بعلاقة الإِطلاق ، أو استعارة ومنه قولهم : « نخلة ساجدة » إذا أمالها حِمْلُها ، فسجود نجوم السماء نزولها إلى جهات غروبها ، وسجود نجم الأرض التصاقه بالتراب كالساجد ، وسجود الشجر تطأطؤه بهبوب الرياح ودنوّ أغصانه للجانين لثماره والخابطين لورقه ، ففعل { يسجدان } مستعمل في معنيين مجازيين وهما الدنو للمتناول والدلالة على عظمة الله تعالى بأن شبه ارتسام ظِلالهما على الأرض بالسجود كما قال تعالى : { ولله يسجد من في السماوات والأرض طَوعاً وكرهاً وظِلالهم بالغدوّ والآصال } في سورة الرعد ( 15 ) ، وكما قال امرؤ القيس :

يَكُبُّ على الأذ *** قان وْحَ الكَنَهْبَلِ

فقال : على الأذقان ، ليكون الانكباب مشبهاً بسقوط الإنسان على الأرض بوجهه ففيه استعارة مكنية ، وذكر الأذقان تخييل ، وعليه يكون فعل { يسجدان } هنا مستعملاً في مجازه ، وذلك يفيد أن الله خلق في الموجودات دلالات عِدَّةً على أن الله مُوجدها ومُسخرها ، ففي جميعها دلالات عقلية ، وفي بعضها أو معظمها دلالات أخرى رمزية وخيالية لتفيد منها العقول المتفاوتة في الاستدلال .