في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب  
{وَٱلنَّجۡمُ وَٱلشَّجَرُ يَسۡجُدَانِ} (6)

( والنجم والشجر يسجدان ) . .

وقد كانت الإشارة السابقة إلى الحساب والتقدير في بناء الكون الكبير . فأما هذه فهي إشارة إلى اتجاه هذا الكون وارتباطه . وهي إشارة موحية إلى حقيقة هادية .

إن هذا الوجود مرتبط ارتباط العبودية والعبادة بمصدره الأول ، وخالقه المبدع . والنجم والشجر نموذجان منه ، يدلان على اتجاهه كله . وقد فسر بعضهم النجم بأنه النجم الذي في السماء . كما فسره بعضهم بأنه النبات الذي لا يستوي على سوقه كالشجر . وسواء كان هذا أم كان ذاك فإن مدى الإشارة في النص واحد . ينتهي إلى حقيقة اتجاه هذا الكون وارتباطه .

والكون خليقة حية ذات روح . روح يختلف مظهرها وشكلها ودرجتها من كائن إلى كائن . ولكنها في حقيقتها واحدة .

ولقد أدرك القلب البشري منذ عهود بعيدة حقيقة هذه الحياة السارية في الكون كله . وحقيقة اتجاه روحه إلى خالقه . أدركها بالإلهام اللدني فيه . ولكنها كانت تغيم عليه ، وتتوارى عنه كلما حاول اقتناصها بعقله المقيد بتجارب الحواس !

ولقد استطاع أخيرا أن يصل إلى أطراف قريبة من حقيقة الوحدة في بناء الكون . ولكنه لا يزال بعيدا عن الوصول إلى حقيقة روحه الحية عن هذا الطريق !

والعلم يميل اليوم إلى افتراض أن الذرة هي وحدة بناء الكون ؛ وأنها في حقيقتها مجرد إشعاع . وأن الحركة هي قاعدة الكون ، والخاصية المشتركة بين جميع أفراده .

فإلى أين يتجه الكون بحركته التي هي قاعدته وخاصيته ?

القرآن يقول : إنه يتجه إلى مبدعه بحركة روحه - وهي الحركة الأصلية فحركة ظاهره لا تكون إلا تعبيرا عن حركة روحه - وهي الحركة التي تمثلها في القرآن آيات كثيرة منها هذه : ( والنجم والشجر يسجدان ) . . ومنها ( تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ، ولكن لا تفقهون تسبيحهم ) . . ومنها : ( ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات والأرض والطير صافات . كل قد علم صلاته وتسبيحه ) . .

وتأمل هذه الحقيقة ، ومتابعة الكون في عبادته وتسبيحه ، مما يمنح القلب البشري متاعا عجيبا ، وهو يشعر بكل ما حوله حيا يعاطفه ويتجه معه إلى خالقه وهو في وقفته بين أرواح الأشياء كلها ، وهي تدب فيها جميعا ، وتحيلها إخوانا له ورفقاء !

إنها إشارة ذات أبعاد وآماد وأعماق . .