السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَٱلنَّجۡمُ وَٱلشَّجَرُ يَسۡجُدَانِ} (6)

{ والنجم } أي : النبات الذي ينجم أي يطلع من الأرض ولا ساق له كالبقول { والشجر } أي : الذي له ساق كشجر الرمان وتقدم الجواب عن قوله تعالى : { وأنبتنا عليه شجرة من يقطين } [ الصافات : 146 ] في سورة الصافات { يسجدان } أي : ينقادان لله تعالى فيما يريده طبعاً انقياد الساجد من المكلفين طوعاً وقال الضحاك سجودهما سجود ظلالهما . وقال الفراء سجودهما أنهما يستقبلان إذا طلعت الشمس ثم يميلان معها حتى ينكسر الفيء ، وقال الزجاج : سجودهما دوران الظل معهما كما قال تعالى : { يتفيؤا ظلاله } [ النحل : 48 ] وقال الحسن ومجاهد : النجم نجم السماء وسجوده في قول مجاهد دوران ظله ؛ وقيل : سجود النجم أفوله وسجود الشجر إمكان الاجتناء لثمارها حكاه الماوردي .

وقال النحاس : أصل السجود في اللغة الاستسلام والانقياد لله عز وجل فهو من الموات كلها استسلامها لأمر الله عز وجل وانقيادها له ، ومن الحيوان كذلك .

فإن قيل : كيف اتصلت هاتان الجملتان بالرحمن ؟ أجيب بأنه استغنى فيهما عن الوصل اللفظي بالوصل المعنوي لما علم أنّ الحسبان حسبانه والسجود له لا لغيره كأنه قيل الشمس والقمر بحسبانه والنجم والشجر يسجدان له .

فإن قيل : أي تناسب بين هاتين الجملتين حتى وسط بينهما العاطف ؟ أجيب : بأنّ الشمس والقمر سماويان والنجم والشجر أرضيان فبين القبيلين تناسب من حيث التقابل ، فإن السماء والأرض لا تزالان تذكران قرينتين ، وأنَّ جرى الشمس والقمر بحسبان من جنس الانقياد لأمر الله تعالى فهو مناسب لسجود النجم والشجر .