معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَٱلۡفُلۡكَ تَجۡرِي فِي ٱلۡبَحۡرِ بِأَمۡرِهِۦ وَيُمۡسِكُ ٱلسَّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا بِإِذۡنِهِۦٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٞ رَّحِيمٞ} (65)

قوله تعالى : { ألم تر أن الله سخر لكم ما في الأرض والفلك } أي : وسخر لكم الفلك ، { تجري في البحر بأمره } وقيل : ما في الأرض الدواب تركب في البر ، والفلك التي تركب في البحر ، { ويمسك السماء أن تقع على الأرض } لكيلا تسقط على الأرض { إلا بإذنه إن الله بالناس لرؤوف رحيم* } .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَٱلۡفُلۡكَ تَجۡرِي فِي ٱلۡبَحۡرِ بِأَمۡرِهِۦ وَيُمۡسِكُ ٱلسَّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا بِإِذۡنِهِۦٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٞ رَّحِيمٞ} (65)

58

ويستطرد السياق مرة أخرى إلى استعراض دلائل القدرة المعروضة للناس في كل حين :

( ألم تر أن الله سخر لكم ما في الأرض ، والفلك تجري في البحر بأمره . ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه . إن الله بالناس لرؤوف رحيم ) . .

وفي هذه الأرض كم من قوة وكم من ثروة سخرها الله لهذا الإنسان ؛ وهو غافل عن يد الله ونعمته التي يتقلب فيها بالليل والنهار !

لقد سخر الله ما في الأرض لهذا الإنسان ، فجعل نواميسها موافقة لفطرته وطاقاته . ولو اختلفت فطرة الإنسان وتركيبه عن نواميس هذه الأرض ما استطاع الحياة عليها ، فضلا على الانتفاع بها وبما فيها . . لو اختلف تركيبه الجسدي عن الدرجة التي يحتمل فيها جو هذه الأرض ، واستنشاق هوائها ، والتغذي بطعامها والارتواء بمائها لما عاش لحظة . ولو اختلفت كثافة بدنه أو كثافة الأرض عما هي عليه ما استقرت قدماه على الأرض ، ولطار في الهواء أو غاص في الثرى . . ولو خلا وجه هذه الأرض من الهواء أو كان هذا الهواء أكثف مما هو أو أخف لاختنق هذا الإنسان أو لعجز عن استنشاق الهواء مادة الحياة ! فتوافق نواميس هذه الأرض وفطرة هذا الإنسان هو الذي سخر الأرض وما فيها لهذا الإنسان . وهو من أمر الله .

ولقد سخر الله له ما في الأرض مما وهبه من طاقات وإدراكات صالحة لاستغلال ثروات هذه الأرض ، وما أودعه الله إياها من ثروات وطاقات ظاهرة وكامنة ؛ يكشف منها الإنسان واحدة بعد واحدة - وكلما احتاج إلى ثروة جديدة فض كنوزا جديدة . وكلما خشي أن ينفذ رصيده من تلك الكنوز تكشف له منها رصيد جديد . . وها هو ذا اليوم لم يستنفد بعد ثروة البترول وسائر الفلزات ثم فتح له كنز الطاقة الذرية والطاقة الإيدروجينية . وإن يكن بعد كالطفل يعبث بالنار فيحرق نفسه بها ويحرق سواه ، إلا حين يهتدي بمنهج الله في الحياة ، فيوجه طاقاتها وثرواتها إلى العمران والبناء ، ويقوم بالخلافة في الأرض كما أرادها الله !

( والفلك تجري في البحر بأمره ) . . فهو الذي خلق النواميس التي تسمح بجريان الفلك في البحر . وعلم الإنسان كيف يهتدي إلى هذه النواميس ، فيسخرها لمصلحته وينتفع بها هذا الانتفاع . ولو اختلفت طبيعة البحر أو طبيعة الفلك . أو لو اختلفت مدارك هذا الإنسان . . ما كان شيء من هذا الذي كان !

( ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه ) . . وهو الذي خلق الكون وفق هذا النظام الذي اختاره له ؛ وحكم فيه تلك النواميس التي تظل بها النجوم والكواكب مرفوعة متباعدة ، لا تسقط ولا يصدم بعضها بعضا . .

وكل تفسير فلكي للنظام الكوني ما يزيد على أنه محاولة لتفسير الناموس المنظم للوضع القائم الذي أنشأه خالق هذا النظام . وإن كان بعضهم ينسى هذه الحقيقة الواضحة ، فيخيل إليه أنه حين يفسر النظام الكوني ينفي يد القدرة عن هذا الكون ويستبعد آثارها ! وهذا وهم عجيب وانحراف في التفكير غريب . فإن الاهتداء إلى تفسير القانون - على فرض صحته والنظريات الفلكية ليست سوى فروض مدروسة لتفسير الظواهر الكونية تصح أو لا تصح ، وتثبت اليوم وتبطل غدا بفرض جديد - لا ينفي وجود واضع القانون . وأثره في إعمال هذا القانون . .

والله سبحانه ( يمسك السماء أن تقع على الأرض )بفعل ذلك الناموس الذي يعمل فيها وهو من صنعه . ( إلا بإذنه )وذلك يوم يعطل الناموس الذي يعمله لحكمة ويعطله كذلك لحكمة .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَٱلۡفُلۡكَ تَجۡرِي فِي ٱلۡبَحۡرِ بِأَمۡرِهِۦ وَيُمۡسِكُ ٱلسَّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا بِإِذۡنِهِۦٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٞ رَّحِيمٞ} (65)

وقوله : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الأرْضِ } أي : من حيوان ، وجماد ، وزروع ، وثمار . كما قال : { وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ } [ الجاثية : 13 ] أي : من إحسانه وفضله وامتنانه ، { وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ } أي : بتسخيره وتسييره ، أي : في البحر العَجَاج ، وتلاطم الأمواج ، تجري الفلك بأهلها{[20407]} بريح طيبة ، ورفق وتؤدة ، فيحملون فيها ما شاءوا من تجائر وبضائع ومنافع ، من بلد إلى بلد ، وقطر إلى قطر ، ويأتون بما عند أولئك إلى هؤلاء ، كما ذهبوا بما عند هؤلاء إلى أولئك ، مما يحتاجون إليه ، ويطلبونه ويريدونه ، { وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأرْضِ إِلا بِإِذْنِهِ } أي : لو شاء لأذن للسماء فسقطت على الأرض ، فهلك من فيها ، ولكن من لطفه ورحمته وقدرته يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه ؛ ولهذا قال : { إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ } أي : مع ظلمهم ، كما قال في الآية الأخرى : { وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ } [ الرعد : 6 ] .


[20407]:- في أ : "بأمرها".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَٱلۡفُلۡكَ تَجۡرِي فِي ٱلۡبَحۡرِ بِأَمۡرِهِۦ وَيُمۡسِكُ ٱلسَّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا بِإِذۡنِهِۦٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٞ رَّحِيمٞ} (65)

وقوله { سخر لكم ما في الأرض } يريد من الحيوان والمعادن وسائر المرافق ، وقرأ الجمهور «والفلكَ » بالنصب ، وذلك يحتمل وجهين من الإعراب أحدهما أن يكون عطفاً على { ما } بتقدير وسخر الفلك ، والآخر أن يكون عطفاً على المكتوبة{[8428]} بتقدير وإن الفلك وقوله ، { تجري } على الإعراب الأول . في موضع الحال ، وعلى الإعراب الثاني في موضع الخبر . وقرأت فرقة «والفلكُ » بالرفع فتجري خبر على هذه القراءة . قوله : { بإذنه } يحتمل أن يريد يوم القيامة كأن طيّ السماء ونقض هذه الهيئة كوقوعها ، ويحتمل أن يريد بذلك الوعيد لهم في أنه إن أذن في سقوط لكسفها عليهم سقطت ، ويحتمل أن يعود قوله { إلا بإذنه } على «الإمساك » لأن الكلام يقتضي بغير عمد ونحوه ، فكأنه أراد إلا بإذنه فيه يمسكها ، وباقي الآية بين .


[8428]:يريد بالمكتوبة لفظ الجلالة.