تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَٱلۡفُلۡكَ تَجۡرِي فِي ٱلۡبَحۡرِ بِأَمۡرِهِۦ وَيُمۡسِكُ ٱلسَّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا بِإِذۡنِهِۦٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٞ رَّحِيمٞ} (65)

وقوله : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الأرْضِ } أي : من حيوان ، وجماد ، وزروع ، وثمار . كما قال : { وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ } [ الجاثية : 13 ] أي : من إحسانه وفضله وامتنانه ، { وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ } أي : بتسخيره وتسييره ، أي : في البحر العَجَاج ، وتلاطم الأمواج ، تجري الفلك بأهلها{[20407]} بريح طيبة ، ورفق وتؤدة ، فيحملون فيها ما شاءوا من تجائر وبضائع ومنافع ، من بلد إلى بلد ، وقطر إلى قطر ، ويأتون بما عند أولئك إلى هؤلاء ، كما ذهبوا بما عند هؤلاء إلى أولئك ، مما يحتاجون إليه ، ويطلبونه ويريدونه ، { وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأرْضِ إِلا بِإِذْنِهِ } أي : لو شاء لأذن للسماء فسقطت على الأرض ، فهلك من فيها ، ولكن من لطفه ورحمته وقدرته يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه ؛ ولهذا قال : { إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ } أي : مع ظلمهم ، كما قال في الآية الأخرى : { وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ } [ الرعد : 6 ] .


[20407]:- في أ : "بأمرها".