الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَٱلۡفُلۡكَ تَجۡرِي فِي ٱلۡبَحۡرِ بِأَمۡرِهِۦ وَيُمۡسِكُ ٱلسَّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا بِإِذۡنِهِۦٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٞ رَّحِيمٞ} (65)

قوله : { وَالْفُلْكَ } : العامَّةُ على نصبِ " الفلك " وفيه وجهان ، أحدهما : أنها عطفٌ على { مَّا فِي الأَرْضِ } أي : سَخَّر لكم ما في الأرض ، وسَخَّر لكم الفلك . وأفردها بالذِّكْرِ ، وإن انْدَرَجَتْ بطريقِ العمومِ تحت " ما " . ومن قوله : { مَّا فِي الأَرْضِ } لظهورِ الامتنانِ بها ولعجيب تسخيرِها دونَ سائر المُسَخَّرات . و " تَجْري " على هذا حال . الثاني : أنها عَطْفٌ على الجلالة بتقدير : ألم تَرَ أن الفلكَ تَجْري في البحر ، فتجري خبرٌ على هذا .

وضمَّ لامَ " الفُلُكَ " هنا الكسائي فيما رواه عن الحسن ، وهي قراءةُ ابن مقسم . وقرأ أبو عبد الرحمن وطلحة والأعرج وأبو حيوة والزعفراني برفع " والفلكُ " على الابتداء وتجري بعده الخبر . ويجوز أن يكونَ ارتفاعُه عطفاً على محلِّ اسم " أنَّ " عند مَنْ يُجَوِّز ذلك نحو : " إنَّ زيداً وعمروٌ قائمان " وعلى هذا ف " تجري " حال أيضاً . و " بأمرِه " الباءُ/ للسببية . قوله : { أَن تَقَعَ } فيه ثلاثةُ أوجهٍ ، أحدُها : أنها في محلِّ نصبٍ أو جرٍّ لأنها على حَذْفِ حرفِ الجرِّ تقديرُه : من أن تقعَ . الثاني : أنها في محلِّ نصبٍ فقط ؛ لأنها بدلٌ من " السماء " بدلُ اشتمالٍ . أي : ويُمْسِكُ وقوعَها يَمْنَعُه . الثالث : أنها في محلِّ نصبٍ على المفعولِ مِنْ أجلِه ، فالبصريون يقدِّرون : كراهَة أن تقعَ . والكوفيون : لئلا تقعَ .

قوله : { إِلاَّ بِإِذْنِهِ } في هذا الجارِّ وجهان ، أحدُهما : أنَّه متعلقٌ ب " تقعَ " أي : إلاَّ بإذنه فتقع . والثاني : أنَّه متعلِّقٌ بيُمْسِكُ . قال ابن عطية : " ويحتمل أَنْ يعودَ قولُه { إِلاَّ بِإِذْنِهِ } على الإِمساك ، لأنَّ الكلامَ يَقْتضي بغير عَمَدٍ ونحوَه ، كأنه أراد : إلاَّ بإذنِه فبه يُمْسِكها " قال الشيخ : " ولو كان على ما قال لكان التركيبُ : بإذنِه ، دونَ أداةِ الاستثناءِ . ويكونُ التقديرُ : ويُمْسِك السماءَ بإذنه " . قلت : وهذا الاستثناءُ مُفَرَّغٌ ، ولا يقعُ في موجَبٍ ، لكنه لَمَّا كان الكلامُ قبلَه في قوةِ النفي ساغَ ذلك ، إذ التقديرُ : لا يَتْرُكُها تقعُ إلاَّ بإذنه . والذي يظهرُ أنَّ هذه الباءَ حاليةٌ أي : إلاَّ ملتبسةً بأمرِه .