معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{بَلۡ كَذَّبُواْ بِٱلۡحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمۡ فَهُمۡ فِيٓ أَمۡرٖ مَّرِيجٍ} (5)

قوله تعالى : { بل كذبوا بالحق } بالقرآن . { لما جاءهم فهم في أمر مريج } مختلط ، قال سعيد بن جبير ومجاهد : ملتبس . قال قتادة في هذه الآية : من ترك الحق مرج عليه أمره والتبس عليه دينه . وقال الحسن : ما ترك قوم الحق إلا مرج أمرهم . وذكر الزجاج معنى اختلاط أمرهم ، فقال : هو أنهم يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم ، مرة شاعر ، ومرة ساحر ، ومرة معلم ، ويقولون للقرآن : مرة سحر ، ومرة رجز ، ومرة مفترىً ، فكان أمرهم مختلطاً ملتبساً عليهم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{بَلۡ كَذَّبُواْ بِٱلۡحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمۡ فَهُمۡ فِيٓ أَمۡرٖ مَّرِيجٍ} (5)

1

ثم يكشف عن حقيقة حالهم التي تنبعث منها تلك الاعتراضات الواهية . ذلك أنهم تركوا الحق الثابت ، فمادت الأرض من تحتهم ، ولم يعودوا يستقرون على شيء أبدا :

( بل كذبوا بالحق لما جاءهم ، فهم في أمر مريج ) . .

وإنه لتعبير فريد مصور مشخص لحال من يفارقون الحق الثابت ، فلا يقر لهم من بعده قرار . .

إن الحق هو النقطة الثابتة التي يقف عليها من يؤمن بالحق فلا تتزعزع قدماه ، ولا تضطرب خطاه ، لأن الأرض ثابتة تحت قدميه لا تتزلزل ولا تخسف ولا تغوص . وكل ما حوله - عدا الحق الثابت - مضطرب مائج مزعزع مريج ، لا ثبات له ولا استقرار ، ولا صلابة له ولا احتمال . فمن تجاوز نقطة الحق الثابتة زلت قدماه في ذلك المضطرب المريج ، وفقد الثبات والاستقرار ، والطمأنينة والقرار . فهو أبدا في أمر مريج لا يستقر على حال !

ومن يفارق الحق تتقاذفه الأهواء ، وتتناوحه الهواجس ، وتتخاطفه الهواتف ، وتمزقه الحيرة ، وتقلقه الشكوك . ويضطرب سعيه هنا وهناك ، وتتأرجح مواقفه إلى اليمين وإلى الشمال . وهو لا يلوذ من حيرته بركن ركين ، ولا بملجأ أمين . . فهو في أمر مريج . .

إنه تعبير عجيب ، يجسم خلجات القلوب ، وكأنها حركة تتبعها العيون !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{بَلۡ كَذَّبُواْ بِٱلۡحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمۡ فَهُمۡ فِيٓ أَمۡرٖ مَّرِيجٍ} (5)

ثم بين تعالى سبب كفرهم وعنادهم واستبعادهم ما ليس ببعيد فقال : { بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ } أي : وهذا حال كل من خرج عن الحق ، مهما قال بعد ذلك فهو باطل . والمريج : المختلف المضطرب الملتبس المنكر خلاله ، كقوله : { إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ } [ الذاريات : 8 ، 9 ] .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{بَلۡ كَذَّبُواْ بِٱلۡحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمۡ فَهُمۡ فِيٓ أَمۡرٖ مَّرِيجٍ} (5)

القول في تأويل قوله تعالى : { بَلْ كَذّبُواْ بِالْحَقّ لَمّا جَآءَهُمْ فَهُمْ فِيَ أَمْرٍ مّرِيجٍ * أَفَلَمْ يَنظُرُوَاْ إِلَى السّمَآءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيّنّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ } .

يقول تعالى ذكره : ما أصاب هؤلاء المشركون القائلون أئِذَا مِتْنا وكُنّا تُرَابا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ في قيلهم هذا بَلْ كَذّبُوا بالحَقّ ، وهو القرآن لَمّا جَاءَهُمْ من الله . كالذي :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة بَلْ كَذّبُوا بالحَقّ لَمّا جاءَهُمْ أي كذّبوا بالقرآن فَهُمْ فِي أمْرٍ مَرِيجٍ يقول : فهم في أمر مختلط عليهم ملتبس ، لا يعرفون حقه من باطله ، ( يقال ) قد مرج أمر الناس إذا اختلط وأهمل .

وقد اختلفت عبارات أهل التأويل في تأويلها ، وإن كانت متقاربات المعاني ، فقال بعضهم : معناها : فهم في أمر منكر وقال : المريج : هو الشيء المنكر . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن خالد بن خداش ، قال : ثني سلم بن قُتيبة ، عن وهب بن حبيب الاَمديّ ، عن أبي حمزة ، عن ابن عباس أنه سُئل عن قوله : أمْرٍ مَرِيجٍ قال : المريج : الشيء المنكر أما سمعت قول الشاعر :

فَجالَتْ والْتَمَسَتْ بهِ حَشاهَا *** فَخَرّ كأنّهُ خُوطٌ مَرِيج

وقال آخرون : بل معنى ذلك : في أمر مختلف . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله فِي أمْرٍ مَرِيجٍ يقول : مختلف .

وقال آخرون : بل معناه : في أمر ضلالة .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس فَهُمْ في أمْرٍ مَرِيجٍ قال : هم في أمر ضلالة .

وقال آخرون : بل معناه : في أمر مُلْتبِس . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا يحيى بن يمان ، عن أشعث بن إسحاق ، عن جعفر بن أبي المغيرة ، عن سعيد بن جُبَير ، في قوله : فَهُمْ فِي أمْرٍ مَرِيجٍ قال : مُلْتَبِسٍ .

حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : أَمْرٍ مَرِيجٍ قال : ملتبس .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : فَهُمْ فِي أمْرٍ مَرِيجٍ ملتبس عليهم أمره .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، قال : والتبس عليه دينه .

وقال آخرون : بل هو المختلط . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : فِي أمْرٍ مَرِيجٍ قال : المريج : المختلط .

وإنما قلت : هذه العبارات وإن اختلفت ألفاظها فهي في المعنى متقاربات ، لأن الشيء مختلف ملتبس ، معناه مشكل . وإذا كان كذلك كان منكرا ، لأن المعروف واضح بين ، وإذا كان غير معروف كان لا شكّ ضلالة ، لأن الهدى بيّن لا لبس فيه .