البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{بَلۡ كَذَّبُواْ بِٱلۡحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمۡ فَهُمۡ فِيٓ أَمۡرٖ مَّرِيجٍ} (5)

{ بل كذبوا بالحق لما جاءهم } : وقدروا قبل هذا الإضراب جملة يكون مضروباً عنها ، أي ما أجادوا والنظر ، بل كذبوا .

وقيل : لم يكذبوا المنذر ، بل كذبوا ، والغالب أن الإضراب يكون بعد جملة منفية .

وقال الزمخشري : بل كذبوا : إضراب أتبع الإضراب الأول للدلالة على أنهم جاءوا بما هو أفظع من تعجبهم ، وهو التكذيب بالحق الذي هو النبوة الثابتة بالمعجزات . انتهى .

وكان هذا الإضراب الثاني بدلاً من الأول ، وكلاهما بعد ذلك الجواب الذي قدرناه جواباً للقسم ، فلا يكون قبل الثانية ما قدروه من قولهم : ما أجادوا النظر ، { بل كذبوا بالحق } ، والحق : القرآن ، أو البعث ، أو الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو الإسلام ، أقوال .

وقرأ الجمهور : { لما جاءهم } : أي لم يفكروا فيه ، بل بأول ما جاءهم كذبوا ؛ والجحدري : لما جاءهم ، بكسر اللام وتخفيف الميم ، وما مصدرية ، واللام لام الجر ، كهي في قولهم كتبته لخمس خلون أي عند مجيئهم إياه .

{ فهم في أمر مريج } ، قال الضحاك ، وابن زيد : مختلط : مرة ساحر ، ومرة شاعر ، ومرة كاهن .

قال قتادة : مختلف .

وقال الحسن : ملتبس .

وقال أبو هريرة : فاسد .

ومرجت أمانات الناس : فسدت ، ومرج الدين : اختلط .

قال أبو واقد :

ومرج الدين فأعددت له *** مسرف الحارك محبوك الكند

وقال ابن عباس : المريج : الأمر المنكر ، وعنه أيضاً مختلط ، وقال الشاعر :

فجالت والتمست لها حشاها *** فخر كأنه خوط مريج

والأصل فيه الاضطراب والقلق .

مرج الخاتم في أصبعي ، إذا قلق من الهزال .

ويجوز أن يكون الأمر المريج ، باعتبار انتقال أفكارهم فيما جاء به المنذر قائلاً عدم قبولهم أول إنذاره إياهم ، ثم العجب منهم ، ثم استعباد البعث الذي أنذر به ، ثم التكذيب لما جاء به .