قوله تعالى : { ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون } قال ابن عباس : يعني المحق ، والمبطل ، والظالم ، والمظلوم .
أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أنبأنا أبو إسحاق الثعلبي ، أنبأنا ابن فنجويه ، حدثنا ابن مالك ، حدثنا ابن حنبل ، حدثنا ابن نمير ، حدثنا محمد يعني ابن عمرو عن يحيى ابن عبد الرحمن بن حاطب ، عن عبد الله بن الزبير ، عن الزبير بن العوام ، قال : " لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم { ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون } قال الزبير : يا رسول الله أيكرر علينا ما كان بيننا في الدنيا مع خواص الذنوب ؟ قال : نعم ، ليكررن عليكم حتى يؤدى إلى كل ذي حق حقه " قال الزبير : والله إن الأمر لشديد ، وقال ابن عمر : عشنا برهة من الدهر ، وكنا نرى أن هذه الآية أنزلت فينا ، وفي أهل الكتابين { ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون } قلنا : كيف نختصم وديننا وكتابنا واحد ؟ حتى رأيت بعضنا يضرب وجوه بعض بالسيف ، فعرفت أنها نزلت فينا ، وعن أبي سعيد الخدري في هذه الآية قال : كنا نقول ربنا واحد ، وديننا واحد ، فما هذه الخصومة ؟ فلما كان يوم صفين وشد بعضنا على بعض بالسيوف ، قلنا : نعم ، هو هذا . وعن إبراهيم قال : لما نزلت { ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون } قالوا : كيف نختصم ونحن إخوان ؟ فلما قتل عثمان ، قال هذه خصومتنا .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنبأنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي شريح ، حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي ، حدثنا علي بن الجعد ، حدثنا ابن أبي ذئب . عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من كانت لأخيه عنده ظلمة من عرض أو مال فليتحلله اليوم قبل أن يؤخذ منه يوم لا دينار ولا درهم ، فإن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته ، وإن لم يكن له أخذ من سيئاته فحملت عليه " .
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الخرقي ، أنبأنا أبو الحسن الطبري ، أنبأنا عبد الله بن عمر الجوهري ، حدثنا أحمد بن علي الكشمهيني ، حدثنا علي بن حجر ، حدثنا إسماعيل بن جعفر ، عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أتدرون من المفلس ؟ قالوا : المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع . قال : المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة ، وصيام وزكاة ، وكان قد شتم هذا ، وقذف هذا ، وأكل مال هذا ، وسفك دم هذا ، وضرب هذا ، فيقضى هذا من حسناته ، وهذا من حسناته ، قال : فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه ، أخذ من خطاياهم ، فطرحت عليه ، ثم طرح في النار " .
ثم يلي ذلك تقرير ما بعد الموت . فالموت ليس نهاية المطاف . إنما هو حلقة لها ما بعدها من حلقات النشأة المقدرة المدبرة ، التي ليس شيء منها عبثاً ولا سدى . فيوم القيامة يختصم العباد فيما كان بينهم من خلاف .
ويجيء رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] أمام ربه ويوقف القوم للخصومة فيما كانوا يقولونه ويأتونه ، ويواجهون به ما أنزل الله إليهم من الهدى .
ومعنى هذه الآية : ستنقلون من هذه الدار لا محالة وستجتمعون عند الله في الدار الآخرة ، وتختصمون فيما أنتم فيه في الدنيا من التوحيد والشرك بين يدي الله عز وجل ، فيفصل بينكم ، ويفتح بالحق وهو الفتاح العليم ، فينجي المؤمنين المخلصين الموحدين ، ويعذب الكافرين الجاحدين المشركين المكذبين .
ثم إن هذه الآية - وإن كان سياقها في المؤمنين والكافرين ، وذِكْر الخصومة بينهم في الدار الآخرة - فإنها شاملة لكل متنازعين في الدنيا ، فإنه تعاد عليهم الخصومة في الدار الآخرة .
قال ابن أبي حاتم ، رحمه الله : حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ ، حدثنا سفيان ، عن محمد بن عمرو ، عن ابن حاطب - يعني يحيى بن عبد الرحمن - عن ابن الزبير ، عن الزبير قال : لما نزلت : { ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ } قال الزبير : يا رسول الله ، أتكرر علينا الخصومة ؟ قال : «نعم » . قال : إن الأمر إذًا لشديد .
وكذا رواه الإمام أحمد عن سفيان ، وعنده زيادة : ولما نزلت : { ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ } [ التكاثر : 8 ] قال الزبير : أي رسول الله ، أي نعيم نسأل عنه ؟ وإنما - يعني : هما الأسودان : التمر والماء - قال : " أما إن ذلك سيكون " .
وقد روى هذه الزيادة الترمذي وابن ماجه ، من حديث سفيان ، به . وقال الترمذي : حسن .
وقال الإمام أحمد أيضا : حدثنا ابن نمير حدثنا محمد - يعني ابن عمرو - عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب ، عن عبد الله بن الزبير ، عن الزبير بن العوام قال : لما نزلت هذه السورة على رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ } قال الزبير : أي رسول الله ، أيكرر علينا ما كان بيننا في الدنيا مع خواص الذنوب ؟ قال : «نعم ليكررن عليكم ، حتى يُؤدَّى إلى كل ذي حق حقه » . قال الزبير : والله إن الأمر لشديد . ورواه الترمذي من حديث محمد بن عمرو به وقال : حسن صحيح .
وقال الإمام أحمد : حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا ابن لَهِيعة ، عن أبي عُشَّانة ، عن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أول الخصمين يوم القيامة جاران " . تفرد به أحمد .
وقال الإمام أحمد : حدثنا حسن بن موسى ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا دراج عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده ، إنه ليختصم ، حتى الشاتان فيما انتطحتا " تفرد به أحمد .
وفي المسند عن أبي ذر ، رضي الله عنه أنه قال : رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم شاتين ينتطحان ، فقال : «أتدري فيم ينتطحان يا أبا ذر ؟ » قلت : لا . قال : «لكن الله يدري وسيحكم بينهما » .
وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا سهل بن بحر ، حدثنا حيان بن أغلب ، حدثنا أبي ، حدثنا ثابت عن أنس رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يجاء بالإمام الخائن يوم القيامة ، فتخاصمه الرعية فيفلجون عليه ، فيقال له : سد ركنا من أركان جهنم " .
ثم قال : الأغلب بن تميم ليس بالحافظ .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما { ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ } يقول : يخاصم الصادق الكاذب ، والمظلوم الظالم ، والمهدي الضال ، والضعيف المستكبر . .
وقد روى ابن منده في كتاب " الروح " ، عن ابن عباس أنه قال : يختصم الناس يوم القيامة ، حتى تختصم الروح مع الجسد ، فتقول الروح للجسد : أنت فعلت . ويقول الجسد للروح : أنت أمرت ، وأنت سولت . فيبعث الله ملكا يفصل بينهما ، فيقول لهما إن مثلكما كمثل رجل مقعد بصير والآخر ضرير ، دخلا بستانا ، فقال المقعد للضرير : إني أرى هاهنا ثمارا ، ولكن لا أصل إليها . فقال له الضرير : اركبني فتناولها ، فركبه فتناولها ، فأيهما المعتدي ؟ فيقولان : كلاهما . فيقول لهما الملك . فإنكما قد حكمتما على أنفسكما . يعني : أن الجسد للروح كالمطية ، وهو راكبه .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا جعفر بن أحمد بن عَوْسَجة ، حدثنا ضرار ، حدثنا أبو سلمة الخزاعي منصور بن سلمة ، حدثنا القمي - يعني يعقوب بن عبد الله - عن جعفر بن المغيرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : نزلت هذه الآية ، وما نعلم في أي شيء نزلت : { ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ } قال : قلنا : من نخاصم ؟ ليس بيننا وبين أهل الكتاب خصومة ، فمن نخاصم ؟ حتى وقعت الفتنة فقال ابن عمر : هذا الذي وعدنا ربنا - عز وجل - نختصم فيه . ورواه النسائي عن محمد بن عامر ، عن منصور بن سلمة ، به .
وقال أبو العالية في قوله { ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ } قال : يعني أهل القبلة . وقال ابن زيد : يعني أهل الإسلام وأهل الكفر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.