بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{ثُمَّ إِنَّكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ عِندَ رَبِّكُمۡ تَخۡتَصِمُونَ} (31)

{ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ القيامة عِندَ رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ } أي : تتكلمون بحججكم . الكافر مع المؤمن ، والظالم مع المظلوم . فإن قيل : قد قال في آية أخرى : { قَالَ لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَىَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بالوعيد } [ ق : 28 ] قيل له : إن في يوم القيامة ساعات كثيرة ، وأحوالها مختلفة ، مرة يختصمون ، ومرة لا يختصمون . كما أنه قال : فهم لا يتساءلون ، وقال في آية أخرى : { وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ } [ الصافات : 27 ] يعني : في حال يتساءلون ، وفي حال لا يتساءلون ، وهذا كما قال في موضع آخر : { فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْألُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَآنٌّ } [ الرحمن : 39 ] وقال في آية أخرى : { فَوَرَبِّكَ لَنَسْألَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } [ الحجر : 92 ] وكما قال في آية أخرى : لا يتكلمون ، وفي آية أخرى أنهم يتكلمون ، ونحو هذا كثير في القرآن . وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : «لاَ تَزَال الخُصومَة بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ القِيَامَةِ ، حَتى تَتَخَاصَم الرُّوح والجَسَد ، فَيَقُول الجَسَد : إِنَّمَا كُنْتُ بِمَنْزِلَةِ جِذع مُلْقَى ، لاَ أَسْتَطِيع شَيْئاً . وَتَقُولُ الرُّوح : إِنَّمَا كُنْتُ رِيحاً ، لاَ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَعْمَلَ شَيْئاً . فَضُرِبَ لَهُما مَثَلُ الأعْمَى والمُقْعَد ، فَحَمَلَ الأَعْمَى المُقْعَد ، فَيَدُلَّهُ المُقْعَد بِبَصَرِهِ ، وَيَحْمِله الأعْمَى بِرجْلَيه » . وقال أبو جعفر الرازي ، عن الربيع ، عن أنس قال : سألت أبا العالية عن قوله : { لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَىَّ } ثم قال : { ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ القيامة عِندَ رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ } فكيف هذا ؟ قال : أما قوله : { لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَىَّ } فهو لأهل الشرك ، وأما قوله : { ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ القيامة عِندَ رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ } فهو لأهل القبلة ، يختصمون في مظالم ما بينهم .