الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{ثُمَّ إِنَّكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ عِندَ رَبِّكُمۡ تَخۡتَصِمُونَ} (31)

كانوا يتربصون برسول الله صلى الله عليه وسلم موته ، فأخبر أن الموت يعمهم ، فلا معنى للتربص ، وشماتة الباقي بالفاني . وعن قتادة : نعى إلى نبيه نفسه ، ونعى إليكم أنفسكم . وقرىء : «مائت ومائتون » والفرق بين الميت والمائت : أنّ الميت صفة لازمة كالسيد . وأما المائت ، فصفة حادثة تقول : زيد مائت غداً ، كما تقول : سائد غداً ، أي سيموت وسيسود . وإذا قلت : زيد ميت ، فكما تقول : حي في نقيضه ، فيما يرجع إلى اللزوم والثبوت . { ثُمَّ إِنَّكُمْ } ثم إنك وإياهم ، فغلب ضمير المخاطب على ضمير الغيب { تَخْتَصِمُونَ } فتحتج أنت عليهم بأنك بلغت فكذبوا ، فاجتهدت في الدعوة فلجوا في العناد ، ويعتذرون بما لا طائل تحته ، تقول الأتباع : أطعنا سادتنا وكبراءنا ، وتقول السادات : أغوتنا الشياطين وآباؤنا الأقدمون ؛ وقد حمل على اختصام الجميع وأنّ الكفار يخاصم بعضهم بعضاً ، حتى يقال لهم : { لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَىَّ } [ ق : 28 ] والمؤمنون الكافرين يبكتونهم بالحجج ، وأهل القبلة يكون بينهم الخصام . قال عبد الله بن عمر : لقد عشنا برهة من دهرنا وديننا ونحن نرى أنّ هذه الآية أنزلت فينا وفي أهل الكتاب ؟ قلنا : كيف تختصم ونبينا واحد وديننا واحد وكتابنا واحد ؟ حتى رأيت بعضنا يضرب وجوه بعض بالسيف ، فعرفت أنها أنزلت فينا . وقال أبو سعيد الخدري : كنا نقول : ربنا واحد ونبينا واحد وديننا واحد ، فما هذه الخصومة ؟ فلما كان يوم صفّين وشدّ بعضنا على بعض بالسيوف ، قلنا : نعم هو هذا . وعن إبراهيم النخعي قالت الصحابة : ما خصومتنا ونحن إخوان ؟ فلما قتل عثمان رضي الله عنه قالوا : هذه خصومتنا . وعن أبي العالية : نزلت في أهل القبلة . والوجه الذي يدلّ عليه كلام الله هو ما قدمت أولاً .