السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{ثُمَّ إِنَّكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ عِندَ رَبِّكُمۡ تَخۡتَصِمُونَ} (31)

وقوله تعالى : { ثم إنكم } فيه تغليب المخاطب على الغائب { يوم القيامة عند ربكم } أي : المربي لكم بالخلق والرزق { تختصمون } فتحتج أنت عليهم بأنك بلغت وكذبوا واجتهدت في الإرشاد والتبليغ فلجوا في التكذيب والعناد ويعتذرون بالأباطيل يقول الأتباع أطعنا سادتنا وكبراءنا وتقول السادات أغوتنا آباؤنا الأقدمون والشياطين ، ويجوز أن يكون المراد به الاختصام العام وجرى عليه الجلال المحلي وهو أولى وإن رجح الأولَ الكشافُ ، لما روي عن عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهما قال : «لما نزلت هذه الآية قال : يا رسول الله أتكون علينا الخصومة بعد الذي كان بيننا في الدنيا قال : نعم فقال : إن الأمر إذاً لشديد » وقال ابن عمر : عشنا برهة من الدهر وكنا نرى أن هذه الآية نزلت فينا وفي أهل الكتابين ، قلنا : كيف نختصم وديننا واحد وكتابنا واحد حتى رأينا بعضنا يضرب وجوه بعض بالسيف فعرفنا أنها فينا نزلت . وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في هذه الآية قال : كنا نقول : ربنا واحد وديننا واحد وكتابنا واحد فما هذه الخصومة ؟ فلما كان يوم صفين وشد بعضنا على بعض بالسيوف قلنا : هو هذا . وعن إبراهيم النخعي قال : لما نزلت قالت الصحابة : كيف نختصم ونحن إخوان فلما قتل عثمان رضي الله عنه قالوا : هذه خصومتنا . وعن أبي العالية : نزلت في أهل القبلة .

وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من كانت لأخيه عنده مظلمة من عرض أو مال فليستحله اليوم قبل أن يؤخذ منه يوم لا دينار ولا درهم فإن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته ، وإن لم يكن له أخذ من سيئاته فجعلت عليه » . وعن أبي هريرة أيضاً قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أتدرون من المفلس ؟ قالوا : المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع ، قال : إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة وقد كان شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا ، فيقضي هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار » .