معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَلَا تَكُ فِي مِرۡيَةٖ مِّمَّا يَعۡبُدُ هَـٰٓؤُلَآءِۚ مَا يَعۡبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعۡبُدُ ءَابَآؤُهُم مِّن قَبۡلُۚ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمۡ نَصِيبَهُمۡ غَيۡرَ مَنقُوصٖ} (109)

قوله تعالى : { فلا تك في مرية } ، في شك ، { مما يعبد هؤلاء } أنهم ضلال ، { ما يعبدون إلا كما يعبد } ، فيه إضمار ، أي : كما يعبد ، { آباؤهم من قبل وإنا لموفوهم نصيبهم } حظهم من الجزاء . { غير منقوص } .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَلَا تَكُ فِي مِرۡيَةٖ مِّمَّا يَعۡبُدُ هَـٰٓؤُلَآءِۚ مَا يَعۡبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعۡبُدُ ءَابَآؤُهُم مِّن قَبۡلُۚ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمۡ نَصِيبَهُمۡ غَيۡرَ مَنقُوصٖ} (109)

100

بعد هذا الاستطراد إلى المصير في الآخرة ، بمناسبة عرض مصائر الأقوام في الدنيا ، والمشابه بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة ، وتصوير ما ينتظر المكذبين هنا أو هناك ، أو هنا ثم هناك . . يعود السياق بما يستفاد من القصص ومن المشاهد إلى الرسول [ ص ] والقلة المؤمنة معه في مكة - تسرية وتثبيتا ؛ وإلى المكذبين من قومه بيانا وتحذيرا . فليس هناك شك في أن القوم يعبدون ما كان آباؤهم يعبدون - شأنهم شأن أصحاب ذلك القصص وأصحاب تلك المصائر - ونصيبهم الذي يستحقونه سيوفونه . فإن كان قد أخر عنهم فقد أخر عذاب الاستئصال عن قوم موسى - بعد اختلافهم في دينهم - لأمر قد شاءه الله في إنظارهم . ولكن قوم موسى وقوم محمد على السواء سيوفون ما يستحقون ، بعد الأجل ، وفي الموعد المحدود . ولم يؤخر عنهم العذاب لأنهم على الحق . فهم على الباطل الذي كان عليه آباؤهم بكل تأكيد :

( فلا تك في مرية مما يعبد هؤلاء . ما يعبدون إلا كما يعبد آباؤهم من قبل . وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص . ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه . ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم . وإنهم لفي شك منه مريب . وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم . . إنه بما يعملون خبير ) . .

لا يتسرب إلى نفسك شك في فساد عبادة هؤلاء . والخطاب للرسول [ ص ] والتحذير لقومه . وهذا الأسلوب أفعل في النفس أحيانا ، لأنه يوحي بأنها قضية موضوعية يبينها الله لرسوله ، وليست جدالا مع أحد ، ولا خطابا للمتلبسين بها ، إهمالا لهم وقلة انشغال بهم ! وعندئذ يكون لتلك الحقيقة الخالصة المجردة أثرها في اهتمامهم أكثر مما لو خوطبوا بها خطابا مباشرا . .

( فلا تك في مرية مما يعبد هؤلاء . ما يعبدون إلا كما يعبد آباؤهم من قبل ) . .

ومصيرهم إذن كمصيرهم . . العذاب . . ولكنه يلفه كذلك في التعبير تمشيا مع الأسلوب :

( وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص ) . .

ومعروف نصيبهم هذا من نصيب القوم قبلهم . وقد رأينا منه نماذج ومشاهد !

وقد لا يصيبهم عذاب الاستئصال - في الدنيا - كما لم يصب قوم موسى :

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَلَا تَكُ فِي مِرۡيَةٖ مِّمَّا يَعۡبُدُ هَـٰٓؤُلَآءِۚ مَا يَعۡبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعۡبُدُ ءَابَآؤُهُم مِّن قَبۡلُۚ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمۡ نَصِيبَهُمۡ غَيۡرَ مَنقُوصٖ} (109)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مّمّا يَعْبُدُ هََؤُلآءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلاّ كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُم مّن قَبْلُ وَإِنّا لَمُوَفّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنقُوصٍ } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : فلا تك في شك ، يا محمد ، مما يعبد هؤلاء المشركون من قومك من الاَلهة والأصنام أنه ضلال وباطل وأنه بالله شرك ، ما يعبد هؤلاء إلا كما يعبد آباؤهم من قبل ، يقول : إلا كعبادة آبائهم من قبل عبادتهم لها . يخبر تعالى ذكره أنهم لم يعبدوا ما عبدوا من الأوثان إلا اتباعا منهم منهاج آبائهم ، واقتفاء منهم آثارهم في عبادتهموها ، لا عن أمر الله إياهم بذلك ، ولا بحجة تبينوها توجب عليهم عبادتها . ثم أخبر جلّ ثناؤه نبيه ما هو فاعل بهم لعبادتهم ذلك ، فقال جلّ ثناؤه : { وَإنّا لَمُوفّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غيرَ مَنْقُوصٍ } ، يعني : حظهم مما وعدتُهم أن أوفيَهموه من خير أو شر ، غير منقوص ، يقول : لا أنقصهم مما وعدتهم ، بل أتمم ذلك لهم على التمام والكمال . كما :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن جابر ، عن مجاهد ، عن ابن عباس : { وَإنّا لَمُوفّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غيرَ مَنْقُوصٍ } ، قال : ما وُعدوا فيه من خير أو شرّ .

حدثنا أبو كريب ومحمد بن بشار ، قالا : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن جابر ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، مثله ، إلا أن أبا كريب قال في حديثه : من خير وشرّ .

حدثني المثنى ، قال : أخبرنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن شريك ، عن جابر ، عن مجاهد عن ابن عباس : { وَإنّا لَمُوفّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غيرَ مَنْقُوصٍ } ، قال : ما قدّر لهم من الخير والشرّ .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن جابر ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، في قوله : { وَإنّا لَمُوفّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غيرَ مَنْقُوصٍ } ، قال : ما يصيبهم خير أو شرّ .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { وَإنّا لَمُوفّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غيرَ مَنْقُوصٍ } ، قال : نصيبهم من العذاب .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَلَا تَكُ فِي مِرۡيَةٖ مِّمَّا يَعۡبُدُ هَـٰٓؤُلَآءِۚ مَا يَعۡبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعۡبُدُ ءَابَآؤُهُم مِّن قَبۡلُۚ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمۡ نَصِيبَهُمۡ غَيۡرَ مَنقُوصٖ} (109)

لفظ الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، والمعنى له ولأمته ، ولم يقع لأحد شك فيقع عنه نهي ولكن من فصاحة القول في بيان ضلالة الكفرة إخراجه في هذه العبارة ، أي حالهم أوضح من أن يمترى فيها ، وال { مرية } : الشك ، و { هؤلاء } إشارة إلى كفار العرب عبدة الأصنام ؛ ثم قال : { ما يعبدون إلا كما يعبد آباؤهم من قبل } . المعنى : أنهم مقلدون لا برهان عندهم ولا حجة ، وإنما عبادتهم تشبهاً منهم بآبائهم لا عن بصيرة ؛ وقوله : { وإنَّا لموفوهم نصيبهم غير منقوص } وعيد ، ومعناه : العقوبة التي تقتضيها أعمالهم{[6523]} ، ويظهر من قوله : { غير منقوص } أن على الأولين كفلاً من كفر الآخرين .

وقرأ الجمهور «لموَفّوهم » بفتح الواو وشد الفاء ، وقرأ ابن محيصن «لموفوهم » بسكون الواو وتخفيف الفاء .


[6523]:- هذا قول، وللعلماء في هذا النصيب ثلاثة أقوال ذكرها القرطبي: الأول: نصيبهم من الرزق، قاله أبو العالية. والثاني: نصيبهم من العذاب، قاله ابن زيد، والثالث: ما وعودوا به من خير أو شر. قاله ابن عباس رضي الله عنهما. وكما اختار ابن عطية-رحمه الله- هنا قول أبي زيد اختاره أيضا الزمخشري.